كتاب توثيقي يؤرخ يوميات حلبية تبدأ في الربع الأول من القرن التاسع عشر 1835م وتنتهي في مطلع الربع الأخير من ذلك القرن 1875م , كتبها الحلبي معلم الأطفال نعوم بخاش,
كتب الاستاذ عبد الله حجار معرفا عنه وهن يومياته فقال : هو "نعمة الله" بن "إلياس" ولد بمدينة "حلب" من أسرة مسيحية حلبية، وقد كانت هذه العائلة مشهورة بصناعة تقليدية هي بخش اللؤلؤ فسميت ببخاش.كان نعوم من طائفة السريان الكاثوليك ولم يكن متزوجاً وليس له إخوة بل خمس أخوات.
تعلم "نعوم بخاش" القراءة والكتابة من الشماس "إلياس هزاز" وكان يقرأ العربية والتركية والسريانية واليونانية بينما لم يكن يجيد الفرنسية على الرغم من معاشرته لكثيرين من الأجانب المقيمين بـ"حلب"، وكان يتمتع بخط جميل وطالما كان يدعى من قبل رؤساء الطوائف الدينية وأصحاب السلطة لتخطيط نقش أو لوحة أو أبيات شعر في دورهم السكنية وكتابة الرسائل التجارية، ومن أعماله المهمة التي أنجزها في حياته كتابة الفاتحة على حبة من الأرز كان أهالي "حلب" وقاصدوها يأتونه ليروها، كما قام بنسخ مقامات "الحريري" في العام 1837م.
كما قام "بخاش" بإنشاء مكتب لتعليم القراءة والكتابة وكان ذلك في 9 تشرين الأول من العام 1827م، ولا نعرف ماذا كان عمله قبل ذلك التاريخ وقد ذكر في دفاتره بأنه عمل بالتجارة إضافة إلى التدريس، وكانت مكتبته واقعة في إحدى الدور المحيطة بساحة المطران "الياس فرحات" في حي "الجديدة" اليوم، أما داره فقد كانت مجاورة لكنيسة الأرمن الكاثوليك جهة الجنوب».
خلف "نعوم بخاش" خمسة دفاتر اطلع على أمرها الأب "فردينال توتل" وكان صبياً في العام 1896م؛ أي بعد وفاة "بخاش" بتسعة عشر عاماً، وأخذ يبحث عنها ويجمعها فبلغ عددها خمسة دفاتر محفوظة اليوم في المكتبة الشرقية لجامعة القديس "يوسف" في "بيروت"، وقد سمى دفاتره "دفاتر الجمعية" لأنه كان يكتب مذكراته أسبوعياً في كل يوم جمعة
الهدف من كتابة الدفاتر بالأصل كانت مادية حيث كان يسجل فيها مدفوعات تلاميذه كل جمعة وفي أسفل الصفحة يذيل بما تبقى من الصفحة أخباراً عن تلامذته أو أخبار المجتمع من حوله من حارة وكنيسة وسكان، وتنوعت الأخبار المكتوبة عن بيئة ذلك المجتمع وأحداثه من زواج وخطبة وأفراح وأعياد ووفيات، وصيد سمك وطيور في بساتين "حلب" على "نهر قويق"، إلى غير ذلك من الأحداث الدينية والاجتماعية والثقافية، ووقوع آفات وأمراض تضر بالصحة.
كان المعلم "نعوم بخاش" يكتب باللغة العامية الدارجة وبخط جميل وواضح وناعم، ويبدو من يومياته أنه كان ذا خصال حميدة باراً بوالديه محباً لأقاربه صادقاً ومتديناً وتقياً، يواظب على أداء واجباته الدينية، كما كان يحرص على معلوماته ودقتها فيذكر كل واردة وشاردة مهما صغرت، ومما تميزت به دفاتره هو كتابته لبعض الكلمات المعيبة بالمقلوب مثل "قرع" ويقصد به "عرق"».كان يسجل "البخاش" التاريخ في أول كل أسبوع بالميلادي حسب التقويم الغربي والشرقي والهجري ويذكر أعياد مختلف الطوائف والمذاهب الدينية، وكان معظم تلاميذه ذكوراً ومسيحيين كما كان هناك بعض الإناث إضافة للمسلمين واليهود، وظل يعلم القراءة والكتابة في مكتبه طوال 48 عاماً حتى وفاته في العام 1875م».
يمكن للباحث أو المؤرخ أن يستشف الكثير من المعلومات غير المعروفة من خلال التغلغل في تواريخ اليوميات، وكذلك التعرف إلى المعلومات والطرف التي تعطينا فكرة عن العبارات التي كانت مستعملة وعن بساطة المجتمع بهمومه وأفراحه ومأكولاته،
والأدب الشعبي في كلماته المحكية وممارسات الطب الشعبي والحصول على الوصفات من العطارين والتنفيذ من قبل الحلاقين.
إن القراءة المتأنية والدقيقة والمركزة ليوميات المعلم "نعوم بخاش" تساعدنا على استخلاص الكثير من الأخبار والحياة الاقتصادية والاجتماعية وخصوصيتها في حي "الجديدة" الحلبي العريق وما حولها ما بين 1835-1875م، وهي بحق من عيون تراثنا الشعبي الحلبي الأصيل، وهي بحاجة إلى مزيد من الدراسات التي يمكن استنباطها بالغوص بين السطور واكتشاف مكنوناتها.
حقق اليوميات الاب يوسف قوشقجي, ونشر هذه اليوميات على أجزاء اعتبارا من عام 1985 و الجزء الرابع والأخير تم نشره عام 2006 بعد وفاة القوشقجي .
اقرأ ايضاَ : يوميات حلبي في القرن التاسع عشر
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لا تزال الأسئلة والتكهنات كثيرة حول نشوء تنظيم "الماسونية" السري والذي يعرف باسم "عشيرة البناؤون الأحرار"، ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية المزيد
لم يثر رجل الجدل كما أثاره جرجي زيدان، فمنهم من اعتبره باحثاً وأديباً وصحفياً موسوعيا ومجدداً في إسلوب الطرح التاريخي، ومنهم من اعتبره مخرباً مزوراً للتاريخ عامة وللتاريخ الإسلامي خاصة المزيد
قلة يعرفون أن اسكندر فرح و هو من مواليد دمشق سنة 1851م حاز أعلى الدرجات الماسونية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ سوريا و حقيقة الأمر أنه عندما تعين مدحت باشا المزيد
في مطلع العشرينات نشطت حركة بناء العقارات في محلة العزيزية سواء بهدف السكن أو التجارة. قام عدة أثرياء ببناء أبنية سكنية تشابه القصور للسكن فيها. المزيد
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، انسحبت القوات التركية وحلفاءها الألمان من سوريا، و قد كان تعدادهم قد وصل إلى عشرة آلاف جندي ألماني، وخمسة عشر ألف جندي تركي، وحوالي اثنا عشر ألف جندي عربي موالين للعثمانيين المزيد
يعتبر بيت الخواجة فتحي انطاكي من أهم واقدم البيوت في محلة العزيزية، وتعود قصة بناء هذا البيت للقرن التاسع عشر عندما أدرك ثلاثة من تجار حلب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أن فرصة الربح كبيرة في حال المتاجرة بالاراضي المعدة المزيد