القلندرية ديانة انتشرت في حلب رداً على الحروب والنزوح والموت.. بقلم المحامي علاء السيد
ظهرت في حلب منذ حوالي الألف عام ديانة جديدة سمي أتباعها بالقلندرية، وذلك بعد تعرض المنطقة لسلسلة من الحروب المتتالية بدءاً من اجتياح الروم لحلب زمن نقفور في القرن العاشر الميلادي عام 962م ، وما تلاه من الاجتياح الصليبي في الحملة الصليبية الاولى عام 1054م والتي بلغت وحشيتها أن أكل الجنود الصليبيين لحوم البشر وقاموا بشي الأطفال على النار، ليأتي بعدها صراع الأتراك السلاجقة على حلب ودمشق عبر معارك رضوان ودقاق السلجوقيين وما خلفه صراعهما من دمار وخراب وتهجير للبلاد والعباد استمر حتى عام 1113 م، ثم تتالي الحملات الصليبية وحصارها لحلب عدة مرات وتدمير ونهب أريافها، حتى وصول هولاكو قائد المغول عام 1260م لحلب وتدميره لها بعدما اجتاح أريافها ودمر وقتل وخرب كل ما فيها.
هذه الحالة من الموت والدمار وفقدان الأملاك أدت الى ظهور ديانة جديدة تجلت أفكار معتنقيها بامتناعهم عن اقتناء أية املاك أو متاع، ومناداتهم بإسلوب للعيش يدبرون به أمورهم يوماً بيوم دون التفكير بمستقبل أيامهم، فامتنعوا عن الاستحمام نهائياً وحرصوا على عدم اعتناءهم إطلاقاً بهيئتهم وهندامهم فارتدوا لباساً خاصاً عبارة عن عباءة من خرق مخيطة مختلفة الألوان مصنوعة من أقمشة خشنة ( من الخيش أو الجوخ أو الكتان أو جلد الخروف ) وتسمى "جالق"، أو يرتدون ما يشبه الجلباب المصنوع من قماش خشن ويسمى "دلق" لا يرتدون شيئا تحته ويسهل ظهور عوراتهم إن دلقوه، وساروا حفايا متكئين على عصا خشبية من شجر اللوز عادة تسمى "بلاتكين".
حلقوا شعر رؤوسهم ولحاهم وشواربهم حتى أنهم حلقوا الحواجب في إشارة لعدم اكتراثهم التام بشكلهم الخارجي واعتزالهم الوقوع في فخ الخطيئة مع النساء، اعتزلوا النساء تماماً وأعلنوا امتناعهم عن الزواج وتكوين الأسرة وإنجاب الأطفال مادامت هذه الأسر وأطفالها مهددة دوماً بالموت والفقدان. امتنعوا عن الإقامة بالبيوت بل حرصوا على التنقل على الطرقات والنوم على قارعة الطريق للكناية عن إمكانية فقدان بيوتهم ومقتنياتها في أي لحظة وعن إمكانية نزوحهم وهجرتهم عن بلادهم فلم يرتبطوا بأرض أو وطن. شربوا الخمر وتعاطوا الحشيش وحرصوا على إبراز سيئاتهم للعموم قائلين أنهم بذلك يقضون على رياء نفوسهم، وأعلنوا أن ديانتهم توافق جميع الأديان والمعتقدات مهما كان نوعها وتقبل بها ولا تعارض أياً منها، في إسلوب اتبعوه لتجنيبهم الصدام عقائدياً مع أي ديانة أخرى.
كانوا ممتنعين عن القيام بأي عمل لكسب قوت العيش، وكانوا يحملون وعاءً خشبياً معلقاً في رقبتهم يسمى " الكشكول "، ويقوم الناس دون سؤال بوضع ما يتيسر لهم فيه من الأرزاق لتأمين معيشة القلندري دون أن يتسول القلندري ذلك ، فكان هذا " الكشكول " يحوي أشكالاً مختلفة وغير متجانسة من الهبات، ومن هنا جاءت كلمة " الكشكول " المتناقلة حالياً التي تدل على وعاء فيه خليط من الأشياء.
عندما ظهر القائد المملوكي بيبرس في نهاية فترة الحروب الصليبية قرّب منه أتباع هذه الطريقة لغاية سياسية دينية في نفسه، فانتشرت ديانتهم ودخلت ضمن سياق الطرق الصوفية الغريبة رغم ابتعاد طقوسهم عن أي طقس ديني معتاد. بُنيت لهم التكايا والزوايا في بلاد الشام ومصر ووصلت طريقتهم إلى العراق.
صار لأتباعها زاوية في حلب هي تكية وزاوية بابا بيرم التي أنشئت قرب دوار أغيور حاليا، وفي دمشق كانت زاويتهم بمقبرة الباب الصغير قرب موضع القبة وهي الزاوية التي عُرفت باسم الزاوية القلندرية الدركرينية.
باللهجة العامية المحلية تبدل لفط " قلندرية " إلى قرندلية بعد إبدال الأحرف وهي عادة اللهجة العامية.
يُشار لمتبع هذه الطريقة بلقب قرندلي.
مازالت إحدى الأسر في الريف الحلبي في بلدة تل رفعت تحمل كنية قرندل.
أما في مصر فتخفف القاف الى ألف ليكون اللقب " أرندلي " وحتى الأن يشار إلى الأرندلي هناك بالفقير الزاهد، ويُذكر أن هناك مسلسل مصري بطله الفنان يحيى الفخراني عنوانه " إبن الأرندلي "، في فلسطين تسمى بالعامية كرندش .
يشار إلى أنه في أولى طبعات كتاب ألف ليلة وليلة الصادرة عام 1839 م (طبعة مكناتن وقد طبعت في الهند) سميت حكاية الليلة الحادية عشرة (حكاية القرندلية الثلاثة) ثم تغيرت التسمية في الطبعات التالية إلى حكاية (الصعاليك الثلاثة).
وفي الادب العربي وردت صورة تلمّح لما كانوا يفعلونه، قال سراج الدين الوراق ( توفي عام 1292م ) في مديح قلندري:
عشقت من ريقه قرقف
وماله اذ ذاك من شارب
قلندرياً حلقوا حاجباً منه
كنون الخط من كاتب
مع بداية العصر المملوكي المستقر وزوال أخطار الحروب بدأت ديانتهم بالزوال، فقام السلطان المملوكي الملك الناصر محمد بن قلاوون ( الذي توفي عام 1341 م ) بمنعهم من اتخاذ هذه الهيئة الغريبة عن البلاد الإسلامية وأجبرهم على التوقف عن حلق لحاهم وشواربهم و حواجبهم .
تدريجياً وبمرور الزمن فقدت هذه الديانة ألقها، وانضم اليها الشذاذ وانحدر مستوى اتباعها. نبذهم المجتمع بعدما عُرف عنهم التسول للعيش وتعاطي الحشيش وشرب المسكرات واشتغلوا بالتنجيم والعرافة والسحر وصناعة معاجين العشق وأشربة المحبة والتعاويذ.
لم تعط هذه الديانة حقها من البحث والتمحيص بعد، والتي يمكن اعتبارها ظاهرة مجتمعية متوقعة ومن مفرزات الحرب الطويلة والموت والدمار.
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
عندما بدأت الحملة الممنهجة لتبييض صورة السلطان عبد الحميد عمدت بعض الكتابات العربية للترويج لقصة اليهود الدونمة ومحاولتهم شراء أجزاء من فلسطين ورفض السلطان عبد الحميد لذلك بطريقة بطولية مما دعا هؤلاء لخلعه المزيد
جاء في الفصل الأول المعنون : الشخصية الحميدية من كتاب "أوهام الذات المقدسة السلطان عبد الحميد لمؤلفه المحامي علاء السيد وذلك تحت تحت عنوان : رقابة المطبوعات الحيوية المزيد
اعتمد كتاب"أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" على حوالى 78 مصدرا ومرجعا و على ما نشر في حوالى 17 جريدة ومجلة من أخبار ومقالات متعلقة بما ورد في الكتاب المزيد
الفهرس 6 , مقدمة 9 , تمهيد 11 , الفصل الأول: الشخصية الحميدية 29 , طفولة سلطان 31 , شروط مدحت 33 المزيد
أفرد كتاب "الذات المقدسة ، السلطان عبد الحميد الثاني" فصلاً كاملاً بعنوان : "السلطان عبد الحميد وقضية فلسطين" في 56 صفحة فيها 116 اشارة توثيقية مرجعية المزيد
لإيفاء دراسة شخصية عبد الحميد حقها، يجب أن نعي تماماً أن هذه الشخصية تطورت وتعقدت خلال ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم، المزيد
إن الاستيطان اليهودي في فلسطين زمن الدولة العثمانية حتى نهاية عهد السلطان عبد الحميد وقبل عهد " الاتحاد والترقي" بُني على طريقتين المزيد
مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي. والرد على المقال . المزيد
لا تزال الأسئلة والتكهنات كثيرة حول نشوء تنظيم "الماسونية" السري والذي يعرف باسم "عشيرة البناؤون الأحرار"، ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية المزيد
لم يثر رجل الجدل كما أثاره جرجي زيدان، فمنهم من اعتبره باحثاً وأديباً وصحفياً موسوعيا ومجدداً في إسلوب الطرح التاريخي، ومنهم من اعتبره مخرباً مزوراً للتاريخ عامة وللتاريخ الإسلامي خاصة المزيد
قلة يعرفون أن اسكندر فرح و هو من مواليد دمشق سنة 1851م حاز أعلى الدرجات الماسونية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ سوريا و حقيقة الأمر أنه عندما تعين مدحت باشا المزيد
في مطلع العشرينات نشطت حركة بناء العقارات في محلة العزيزية سواء بهدف السكن أو التجارة. قام عدة أثرياء ببناء أبنية سكنية تشابه القصور للسكن فيها. المزيد
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، انسحبت القوات التركية وحلفاءها الألمان من سوريا، و قد كان تعدادهم قد وصل إلى عشرة آلاف جندي ألماني، وخمسة عشر ألف جندي تركي، وحوالي اثنا عشر ألف جندي عربي موالين للعثمانيين المزيد
يعتبر بيت الخواجة فتحي انطاكي من أهم واقدم البيوت في محلة العزيزية، وتعود قصة بناء هذا البيت للقرن التاسع عشر عندما أدرك ثلاثة من تجار حلب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أن فرصة الربح كبيرة في حال المتاجرة بالاراضي المعدة المزيد