إننا نقدم لكم أيها السادة تجار البناء ، دعوة مفتوحة لهدم كل أثر تاريخي جميل في حلب ..و إنشاء مجمعات تجارية على شكل مسوخ معمارية .. الفرصة ذهبية ..لا تكترثوا بقانون حماية الآثار .. فكل شيء ممكن ... و المصروفات المستترة ..يمكن إضافتها على تكلفة البناء ...و الطريقة مذكورة أدناه ...
و إننا نثبت لكم ذلك بالواقعة الموثقة التي نرويها لكم.. و هي ليست واقعة خيالية.. و مستندة إلى أحداث حقيقية ...كما يكتبون في بداية بعض الأفلام الأجنبية
أمام جامع الصديق في حي الجميلية في حلب ، و في إطلالة على شارعين ، يوجد بناء أقل ما يقال عنه أنه غاية في الروعة .
و قد بني في بدايات القرن الماضي ، و سجل في السجل العقاري عام 1930 ، و هو مؤلف من طابق أقبية و طابق أرضي و خمسة طوابق فوقه ، ويعتقد البعض انه أول بناء طابقي برجي بني في حلب بهذا الارتفاع ، و يحمل رقم محضر / 88 /منطقة عقارية ثانية .
و تحمل واجهاته آيات في فن العمارة و الزخرفة ، و تدل على عراقة العمارة في بدايات القرن الماضي في حلب و تلخص حقبة معمارية مميزة في تلك الفترة .
و لأنه في وسط البلد ، و يقع على شارعين ، فإن قيمه أرضه كعقار معد للبناء التجاري ، خيالية ، و فعلا في عام 1970 ، استحصل مالكي العقار على رخصة هدم ، لهذا المحضر ، ثم استحصلوا في عام 1971 على رخصة لبناء العقار المذكور بعد هدمه .
و قد أدرك مجلس المدينة في حينها فداحة الضرر الأثري الذي ينتج عن تدمير مبنى بهذه الأهمية التاريخية ، فأصدر السيد رئيس مجلس المدينة قراراً بسحب الترخيص بالبناء .
و في عام 1978 أصدرت وزارة الثقافة و الإرشاد القومي قراراً باعتبار العقار أثري تاريخي ، و ذلك بعدما أخذت موافقة مجلس الآثار مستندة إلى قانون الآثار الصادر عام 1963، و الذي أعطى المديرية العامة للآثار و المتاحف الحق أن تعتبر عقاراً ما ، أثرياً ، و لو كان عمره أقل من مائتي عام ، إذا تمتع بإحدى الخصائص الثلاث : تاريخية أو فنية أو قومية ، و قد اجتمعت بالعقار خاصتين اثنتين منهما ، تاريخية و فنية .
و ينص القانون : أن للسلطات الأثرية وحدها حق تقرير أثرية المباني التاريخية ، و ما يجب تسجيله من آثار ، لدلالته على عصر ما ، و لما فيه من خصائص فنية.
فقام مالكو العقار برفع دعوى قضائية أمام المحاكم الإدارية لإلغاء هذا القرار ، و اعتبار أنه لا توجد للعقار صفة تاريخية أثرية ، و لا مانع من هدمه .
و في عام 1981 صدر القرار النهائي المبرم من المحكمة الإدارية العليا ، و هي آخر مرحلة من مراحل التقاضي برد دعوى المالكين ، و تثبيت قرار مديرية الثقافة ، واعتبار العقار أثري ، لا يجوز هدمه .
فعمد مالكي العقار الى الحل الدائم المتبع في هذه الحالة ..... تخريبه .. قصد جعله آيلا للسقوط .
و في عام 1989 أنذر السيد مدير الآثار و المتاحف ، مالكي العقار بعدم المساس به أو محاولة تخريبه ، و المبادرة إلى ترميمه .....و لكن دون جدوى .
و في عام 1995 تبين لمديرية الآثار أن أنابيب المياه في العقار قد تم تكسيرها عمدا ، لتسريب المياه للأقبية قصد توهين الأساسات ، و أرسلت إنذاراً بذلك لمالكي العقار.. و لكن دون جدوى .
و أعلمت مديرية الآثار السيد محافظ حلب بالوضع ، طالبة المؤازرة لمنع استمرار التخريب ... دون جدوى .
و في عام 1996 حققت في الموضوع ، الهيئة المركزية للرقابة و التفتيش ،و وجهت كتاباً للسيد مدير الآثار و المتاحف ،لإجراء التدابير الحازمة بحق مالكي العقار لمنعهم من التوصل لأغراضهم ، بعد تفاقم الضرر الذي أصاب المبنى... دون جدوى .
و في عام 1997 قام أربعة مهندسين مدنيين بتكليف من مديرية الآثار و المتاحف ،بالكشف على العقار ، و قدموا تقريرهم : وجود بعض التشققات السطحية ، و هي موضعية و غير مستمرة و لا تعتبر خطرة ، و وجود بعض الصدأ في الدعامات المعدنية نتيجة الرطوبة ، و لكن يمكن معالجة هذه الأمور و ترميمها ، و العقار يعتبر سليم إنشائيا .
و لم يقم مالكي العقار بأية خطوة لترميمه ،بل إنهم قاموا في عام 2000 برفع دعوى جديدة أمام القضاء الإداري مخاصمين فيها السيد وزير الإسكان ، و السيد رئيس مجلس المدينة ، زاعمين انه ليس للعقار أية أهمية تاريخية ، و البناء متوهن و يخشى سقوطه ، و يجب إجازتهم بهدمه و إعادة بنائه .
و على الرغم من أن موضوع أثرية البناء من عدمه ، قد بحث سابقا ، و صدر فيه قرار قضائي مبرم ، يحمل عنوان الحقيقة ، و لا يجوز إعادة البحث فيه ، فقد نظر في هذه الدعوى .
و في عام 2000 قامت محكمة القضاء الإداري بدمشق بتعيين خبير هندسي من دمشق ، زار حلب ، و نزل في أحد فنادقها من فئة خمسة نجوم ، و على نفقة مالكي العقار ، و أعطى خبرته بأن البناء متوهن ، و غير مستقر ، و معرض للانهيار في حال حدوث زلازل ( لاحظ تخريجة موضوع الزلازل ، و هل يوجد عقار في العالم غير مهدد بالانهيار حال حدوث زلزال ) .
و في عام 2001 قامت مديرية الشؤون الفنية في مجلس مدينة حلب ، بالكشف على العقار ، و أصدرت كتابها بأن العقار غير متصدع و سليم إنشائيا ، و لا يجوز هدمه لعلة التصدع ، و هو بناء أثري لا يجوز هدمه.
و في عام 2002 قررت المحكمة الإدارية إعادة إجراء الخبرة ، للمرة ثانية ، فجاء ثلاثة خبراء مهندسين من دمشق ، و نزلوا كذلك في أحد الفنادق فئة أربعة نجوم ، و لمدة يومين ، و على نفقة مالكي العقار ( كما يقولون فول بورد ، فطّر غدّي عشّي )،و بنتيجة حسن الضيافة ، كان تقريرهم أن البناء عادي ، و النقوش الموجودة عليه تعبر عن ذوق خاص بالمعماري الذي بناه ، و لا تعبر عن طراز معماري ، و العقار لا يحتوي على الشروط الكافية لاعتباره أثرياً أو تاريخياً .
و على الرغم من أن نص قانون الآثار واضح ،و يحصر حق تقرير ما هو أثري من عدمه للسلطات الأثرية ، فقد جاء تقرير هؤلاء المهندسين الثلاثة ليخالف القانون ، و يضرب به عرض الحائط .
في عام 2003 و في تغيير دراماتيكي لمجريات الأمور ( كما يقولون في نشرات الأخبار ) و على الرغم من تقارير الخبراء ، فقد أصدرت المحكمة الإدارية قرارها العادل ، برفض دعوى مالكي العقار ، و تأكيد اعتبار العقار أثرياً لا يمكن هدمه ، و نص قرارها على انه يقع على عاتق مالكي العقار مهمة ترميمه و الحفاظ عليه .
قد يشعر تجار البناء الذين يطالعون هذا المقال باليأس عند هذه الفقرة ، و لكن ( لا تستعجلوا على رزقكم ) و (ما في شي عنا ، ماله حل ) و البقية تثلج قلوبكم :
فقد بادر مالكي العقار إلى الطعن بقرار هذه المحكمة ، أمام المحكمة الإدارية العليا بدمشق ، بحجة أن المحكمة لم تأخذ بتقرير الخبراء ، و الطعن - عادةً - يمر على دائرة فحص الطعون لتبدي رأيها ،و ينام عندها لسنة أو سنتين ، ثم يحال إلى المحكمة الإدارية العليا .
و لمحاسن الصدف ، و لحسن حظ مالكي العقار ، و بتوجيه رباني ، أحالت دائرة فحص الطعون ،فورا ، الطعن إلى المحكمة العليا ،و التي بادرت في نفس اليوم إلى حسم الدعوى ، و إعطاء القرار بالسماح لمالكي العقار بهدمه ، و اعتباره غير أثري ( لاحظ خلال يوم واحد فقط ، و يقولون لدينا بطء في حسم الدعاوي ) .
بالرغم من أن حسم الطعون أمام الإدارية العليا يطّول عادة إلى عدة سنين ، لأنها المحكمة الوحيدة في سوريا ، و لا يوجد غيرها ، التي تنظر في قرارات جميع الإدارات و طعون جميع المواطنين ، و لديها تراكم هائل .
إذاً لحسن حظ المالكين ، حسمت الدعوى في يوم واحد ، و لسوء حظ رئيس المحكمة ، فقد أقيل بعدها من منصبه ،و أوقف في سجن خاص ، قيد التحقيق في دعاوي فساد عديدة ، تزكم الأنوف ، و هو موقوف من حينها ، و حتى تاريخ كتابة هذا المقال ، قيد التحقيق ( فك الله أسره ) .
و لكن ما الفائدة ،و قرار الهدم صدر مبرماً ، ومن أعلى مرجع قضائي إداري في البلاد ، و لم يكن أمام السيد وزير الثقافة ، و السيد المدير العام للآثار و المتاحف ، و السيد وزير الإسكان ، و السيد رئيس مجلس المدينة ، و انضمت إليهم جمعية العاديات بحلب ، إلا الاعتراض على هذا الحكم الجائر - اعتراض الغير - طالبين جميعاً إعطاء القرار : بوقف تنفيذ قرار الهدم ، و إلغاء القرار المعترض عليه الذي ينص على إجازة مالكي العقار بالهدم.
و لكن للأسف ، و لحسن حظ تجار البناء المومأ إليهم في بداية دعوتنا هذه ، و من واقع الحال القانوني ، فإن قبول هذا الاعتراض و الرجوع عن القرار الفاسد ، أمر صعب قانونياً .
و ما زال هذا الاعتراض منظورا أمام المحكمة الإدارية العليا ، و أمام قاضي جديد معروف بالنزاهة ، و ذلك منذ عام 2004 و حتى تاريخه .
و حتى لا نتّهم بأننا لا نذكر آراء جميع الأطراف ، و على سبيل الدعاية للمحامي الزميل ، فقد بادرنا الى سؤال المحامي الأستاذ محمد نيال (وكيل مالكي العقار ) عن رأيه بالموضوع وقد أكد انه لا مجال قانونياً للرجوع عن قرار الهدم ، و إن القانون يحمي القرار الصادر بالهدم ، و هو يرى أن البناء غير أثري ، و يجب هدمه ، و إن المهندسين خبراء المحكمة القادمين من دمشق من أشهر و أنزه المكاتب الهندسية و هم فوق أية شبهات .
و المشكلة أنه : في حال عجزت المحكمة العليا عن إلغاء قرار الهدم - لأسباب قانونية - فلا يوجد أي حل إلا استملاك العقار من قبل الدولة ، و لكن في حال تم استملاكه ( و من واقع حال العقارات المستملكة ) نكون قد حكمنا عليه بالزوال الحتمي و الإهمال و الانهيار .
و لذلك لماذا لا نختصر الطريق ، و ننادي كلنا بشعار :
يا تجار البناء ...اتحدوا .. لهدم آثار عاصمة الثقافة .
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
عندما بدأت الحملة الممنهجة لتبييض صورة السلطان عبد الحميد عمدت بعض الكتابات العربية للترويج لقصة اليهود الدونمة ومحاولتهم شراء أجزاء من فلسطين ورفض السلطان عبد الحميد لذلك بطريقة بطولية مما دعا هؤلاء لخلعه المزيد
جاء في الفصل الأول المعنون : الشخصية الحميدية من كتاب "أوهام الذات المقدسة السلطان عبد الحميد لمؤلفه المحامي علاء السيد وذلك تحت تحت عنوان : رقابة المطبوعات الحيوية المزيد
اعتمد كتاب"أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" على حوالى 78 مصدرا ومرجعا و على ما نشر في حوالى 17 جريدة ومجلة من أخبار ومقالات متعلقة بما ورد في الكتاب المزيد
الفهرس 6 , مقدمة 9 , تمهيد 11 , الفصل الأول: الشخصية الحميدية 29 , طفولة سلطان 31 , شروط مدحت 33 المزيد
أفرد كتاب "الذات المقدسة ، السلطان عبد الحميد الثاني" فصلاً كاملاً بعنوان : "السلطان عبد الحميد وقضية فلسطين" في 56 صفحة فيها 116 اشارة توثيقية مرجعية المزيد
لإيفاء دراسة شخصية عبد الحميد حقها، يجب أن نعي تماماً أن هذه الشخصية تطورت وتعقدت خلال ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم، المزيد
إن الاستيطان اليهودي في فلسطين زمن الدولة العثمانية حتى نهاية عهد السلطان عبد الحميد وقبل عهد " الاتحاد والترقي" بُني على طريقتين المزيد
مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي. والرد على المقال . المزيد
لا تزال الأسئلة والتكهنات كثيرة حول نشوء تنظيم "الماسونية" السري والذي يعرف باسم "عشيرة البناؤون الأحرار"، ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية المزيد
لم يثر رجل الجدل كما أثاره جرجي زيدان، فمنهم من اعتبره باحثاً وأديباً وصحفياً موسوعيا ومجدداً في إسلوب الطرح التاريخي، ومنهم من اعتبره مخرباً مزوراً للتاريخ عامة وللتاريخ الإسلامي خاصة المزيد
قلة يعرفون أن اسكندر فرح و هو من مواليد دمشق سنة 1851م حاز أعلى الدرجات الماسونية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ سوريا و حقيقة الأمر أنه عندما تعين مدحت باشا المزيد
في مطلع العشرينات نشطت حركة بناء العقارات في محلة العزيزية سواء بهدف السكن أو التجارة. قام عدة أثرياء ببناء أبنية سكنية تشابه القصور للسكن فيها. المزيد
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، انسحبت القوات التركية وحلفاءها الألمان من سوريا، و قد كان تعدادهم قد وصل إلى عشرة آلاف جندي ألماني، وخمسة عشر ألف جندي تركي، وحوالي اثنا عشر ألف جندي عربي موالين للعثمانيين المزيد
يعتبر بيت الخواجة فتحي انطاكي من أهم واقدم البيوت في محلة العزيزية، وتعود قصة بناء هذا البيت للقرن التاسع عشر عندما أدرك ثلاثة من تجار حلب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أن فرصة الربح كبيرة في حال المتاجرة بالاراضي المعدة المزيد