كلما دخلت في نقاش حول أي موضوع كان، مع من حولي، كنت اصطدم بعدم جدوى النقاش ، و تحجر عقل المتلقي ، و ربما تحجر عقلي أيضا.
و تساءلت كثيرا هل نحن غير قادرين على الحوار و تبادل الأفكار، و هل جفت عقولنا حتى باتت عاجزة عن المرونة و الحركة، و صارت صخرا أصم، و ما هو سبب هذا الجفاف و التحجر.
و بينما كنت أقدم استمارة انتساب، إلى إحدى الجمعيات الخيرية ، لنخبة من الراغبين في التطوع للعمل الخيري - أدناهم مستوى يحمل شهادة جامعية - كانوا يملؤون البيانات العادية فورا ، مثل الاسم و المهنة و التولد،
و عندما يصلون إلى البند الذي يطلب فيه شرح المساعدات المعنوية و المادية التي يمكن أن يقدموها للجمعية الخيرية ، كانوا جميعا يقفون عاجزين عن الكتابة .
واحد وأربعون استمارة ، وقف أصحابها عاجزين عن تعبئة هذا البند ، و كانوا يلتفتون إلي طالبين أن ألقنهم ما يكتبون ، و عندما كنت اطلب منهم كتابة ما يرغبون فعلا في تقديمه ، كان جوابهم لا نعرف ما هو الممكن تقديمه ، قل لنا ، و نحن سنكتب .
و في تجربة أخرى مع مجموعة من طلاب الجامعة المتحمسين و المتطوعين للعمل الخيري ، و الذين تعودوا أن ينفذوا ما يقرره و يطلبه منهم رئيس المتطوعين الشباب و دون تردد .
اقترحت عليهم أن يغيروا اسلوب عملهم ، و أن يشكلوا فيما بينهم مجموعات عمل ، تقترح و تبدع النشاط التطوعي الذي تراه مناسبا ، و تقوم هذه المجموعة بكاملها بتنفيذه .
و بذلك ينتقل عملهم من مرحلة تنفيذ الأوامر ، إلى مرحلة التفكير و التخيل و الإبداع ، ثم تنفيذ هذه الفكرة التي صنعوها بأنفسهم، بدلا من الأفكار التي تقدم لهم جاهزة .
و كنت اعتقد أنهم سيرحبون بهذه المبادرة ، التي تخلصهم من التبعية ، ليكونوا هم أصحاب القرار ، و تعهدت لهم أن اعمل بكل طاقاتي للمساعدة في تنفيذ أفكارهم ، و محاربة من يقف بوجه هذه الأفكار الخيرية .
و انتظرت .... و فوجئت .. بالسلبية التامة .. و رفض هذه الفكرة تماما ... و النظر تجاهي بريبة و حذر ... و عندما سألت و حللت مع البعض منهم سبب هذا الموقف ، قالوا لي : إننا إن فكرنا و خططنا بأنفسنا ، ثم نفذنا ، تحملنا مسؤولية ما فعلنا ، أما إن خطط غيرنا و نفذنا نحن فلا مسؤولية علينا إن فشلت الخطة و لم تحقق الهدف ، و هذا أريح لرؤوسنا بكثير .
إن كان هذا هو تفكير من تطوع مجانا لعمل خيري و بكامل إرادته ، فلا عتب على من اجبر على تنفيذ عمل وظيفي مثلا .
و حاولت أن اعرف و أتبين سبب هذا الجمود الفكري الحجري في أذهاننا دون جدوى ، إلى أن قرأت صدفة كتابا مطبوعا في عام 1967 ، كتبه الدكتور أنور عبد الملك تحت عنوان ( دراسات في الثقافة الوطنية ) منشورات دار الطليعة بيروت ، يحلل فيه كيف خطط البريطانيون للقضاء على الفكر و الثقافة في مصر زمن الانتداب ، و اشرف على تنفيذ مخططهم اللورد كرومر حاكم مصر الفعلي وقتها ، و مستشاره دانلوب لشؤون التعليم ، و جاء فيه ما يجيب على جميع تساؤلاتي :
( واستند دانلوب إلى خاصية معينة من خصائص العقلية الشرقية ، ألا و هي تقديس النصوص المكتوبة ، و أوصى المفتشين و نظار المدارس بتنمية الذاكرة و الحفظ دون تنمية التفكير الناقد الإبداعي الخلاق .
و رأى أن الضمان الوحيد لاستعباد مصر هو ضرب صميم الفكر المصري، بحيث يصبح عاجزا عن التطور و الإبداع ، و معتمدا على غيره في الحركة ، و لكي يتحقق هذا الهدف لا بد أن تتوجه سياسة التعليم نحو الحفظ دون المناقشة ، و نسخ المراجع دون تحليلها ، و تكوين الرأي فيها .
و احترام المكتوب دون فحصه و التحاور معه ، فالتلميذ الممتاز هو الذي يحفظ اكبر قدر من النصوص .
و التاريخ عبارة عن أسماء معارك و ملوك و تواريخ صماء، دون إيراد أي تفسير لأسباب حدوث هذه المعارك و الانتصارات و الهزائم و دون افساح المجال لتحليل و مناقشة اسباب النصر او الهزيمة .
أما العلوم فهي نظريات متتالية ، دون عرض طريقة تخطي العلماء لنظرية قديمة و تطويرها ، لتظهر نظرية جديدة ..
الحفظ و لا شيء إلا الحفظ و الامتحان كله حول قدرتك على الحفظ، و الترديد كالببغاء )
اعتقد أن هذه السطور تلخص واقع عقولنا الحالي ، و تبين أسباب جمودنا الفكري و العقلي ، و عجزنا عن الإبداع و الحراك الفكري، و إن خمسين عاما من التعليم بهذه الطريقة لا بد أن تواجه بخطة مدروسة ، لا تقل فترة تنفيذها عن خمسين عاما أخرى ، و لكن هل يستطيع من درب على الحفظ و الحفظ فقط ، أن يضع خطة تعليمية طموحة ، تعتمد على التحليل لا الحفظ ، لا اعتقد ذلك.
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
عندما بدأت الحملة الممنهجة لتبييض صورة السلطان عبد الحميد عمدت بعض الكتابات العربية للترويج لقصة اليهود الدونمة ومحاولتهم شراء أجزاء من فلسطين ورفض السلطان عبد الحميد لذلك بطريقة بطولية مما دعا هؤلاء لخلعه المزيد
جاء في الفصل الأول المعنون : الشخصية الحميدية من كتاب "أوهام الذات المقدسة السلطان عبد الحميد لمؤلفه المحامي علاء السيد وذلك تحت تحت عنوان : رقابة المطبوعات الحيوية المزيد
اعتمد كتاب"أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" على حوالى 78 مصدرا ومرجعا و على ما نشر في حوالى 17 جريدة ومجلة من أخبار ومقالات متعلقة بما ورد في الكتاب المزيد
الفهرس 6 , مقدمة 9 , تمهيد 11 , الفصل الأول: الشخصية الحميدية 29 , طفولة سلطان 31 , شروط مدحت 33 المزيد
أفرد كتاب "الذات المقدسة ، السلطان عبد الحميد الثاني" فصلاً كاملاً بعنوان : "السلطان عبد الحميد وقضية فلسطين" في 56 صفحة فيها 116 اشارة توثيقية مرجعية المزيد
لإيفاء دراسة شخصية عبد الحميد حقها، يجب أن نعي تماماً أن هذه الشخصية تطورت وتعقدت خلال ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم، المزيد
إن الاستيطان اليهودي في فلسطين زمن الدولة العثمانية حتى نهاية عهد السلطان عبد الحميد وقبل عهد " الاتحاد والترقي" بُني على طريقتين المزيد
مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي. والرد على المقال . المزيد
لا تزال الأسئلة والتكهنات كثيرة حول نشوء تنظيم "الماسونية" السري والذي يعرف باسم "عشيرة البناؤون الأحرار"، ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية المزيد
لم يثر رجل الجدل كما أثاره جرجي زيدان، فمنهم من اعتبره باحثاً وأديباً وصحفياً موسوعيا ومجدداً في إسلوب الطرح التاريخي، ومنهم من اعتبره مخرباً مزوراً للتاريخ عامة وللتاريخ الإسلامي خاصة المزيد
قلة يعرفون أن اسكندر فرح و هو من مواليد دمشق سنة 1851م حاز أعلى الدرجات الماسونية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ سوريا و حقيقة الأمر أنه عندما تعين مدحت باشا المزيد
في مطلع العشرينات نشطت حركة بناء العقارات في محلة العزيزية سواء بهدف السكن أو التجارة. قام عدة أثرياء ببناء أبنية سكنية تشابه القصور للسكن فيها. المزيد
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، انسحبت القوات التركية وحلفاءها الألمان من سوريا، و قد كان تعدادهم قد وصل إلى عشرة آلاف جندي ألماني، وخمسة عشر ألف جندي تركي، وحوالي اثنا عشر ألف جندي عربي موالين للعثمانيين المزيد
يعتبر بيت الخواجة فتحي انطاكي من أهم واقدم البيوت في محلة العزيزية، وتعود قصة بناء هذا البيت للقرن التاسع عشر عندما أدرك ثلاثة من تجار حلب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أن فرصة الربح كبيرة في حال المتاجرة بالاراضي المعدة المزيد