بحث الإنسان قديما عن الحياة بجانب المياه ، و نشأت المدن القديمة و استمرت بالحياة ...ما دامت المياه جارية ، فباريس قامت قرب نهر السين ، و لندن قرب نهر التايمز ، و القاهرة قرب النيل ، و بغداد قرب الفرات و دجلة ، و دمشق قرب بردى ...و حلب قامت قرب قويق .
أقدم ما سكن الإنسان القديم في مدينة حلب في المغاير الكلسية في حي الكلاسة ،لان المغارة تؤمن السكن و الامان ،و لقربها من مياه نهر جاري ..... هو نهر قويق .
و كلمة قويق بالسوريانية كما فسرها المطران شلحت تعني النحل و طيور الماء و بعض النباتات التي تنمو على ضفاف الانهار.
أما ياقوت الحموي في معجم البلدان فيقول إن قويق هو تشبيه لصوت الضفدع ، و يبدو أن الكثير من الضفادع كانت تعيش على ضفاف النهر فسمي بصوتها ، و شاعر حلب الصنوبري يقول :
إذا ما الضفادع نادينه قويق قويق .. أبى أن يجيبا
أما خير الدين الاسدي فيقول في موسوعته انه قرأ في كتابة على حجارة قبر ( هذا ضريح الولي الزاهد الشيخ محمد بن عبد الله ..قويق .. الحافر المجرى لنهر حلب الشهبا ) و ربما يكون النهر قد سمي على اسم من شق مجراه ، و هو الشيخ قويق .
ويقول ابن الشحنة: سمي بقواق نسبة إلى شجر الحور الذي كان يزرع على جانبيه ولكثرة الزرع عليه ، و يسمى شجر الحور بالتركية قواق .
كانت حلب قديما تعيش حياة مدينة قائمة على ضفاف نهر ...مما نفتقده تماما في حياتنا الحالية في حلب ، فقد سار قويق قديما خارج أسوار حلب القديمة ، مخترقا سلسلة من البساتين التي شكلت متنزها لأهالي حلب القاطنين داخل الأسوار.
فالناس كانوا يتنزهون على ضفاف النهر ، بينما يتنزه الحلبيون حاليا على ضفاف اوتوستراد المحلق ، و كانوا يمضون العطلة الأسبوعية في البساتين المطلة على النهر ، بينما يبحث الحلبيون اليوم عن متنفس لقضاء يوم العطلة في جبل أريحا او كفر جنة او جبل سمعان او في جبال صلنفة ، و كلها تبعد ما يزيد على الساعة من الزمن بالمواصلات ، و لا توجد فيها المياه التي تبعث على البهجة .
و كان اغلبهم يمارسون هواية صيد السمك من النهر ........و كان فيضان النهر شتاءا يمس حياة الناس بشكل مباشر ...و كذلك قلة المياه صيفا .
و يروي نعوم بخاش المعلم الحلبي في يومياته التي كتبها في القرن التاسع عشر ، ذهابه مرة او مرتين أسبوعيا لصيد السمك في نهر قويق ، و النزهات العائلية الجماعية إلى البساتين المحيطة بنهر قويق .
و للأسف اختفت هذه البساتين تماما في وقتنا الحالي ،و تحولت إلى أحياء بقيت تحمل اسم بستان كذا و كذا .
فالبستان القريب الأول الواقع على ضفافه ، هو بستان الباشا ثم بستان الشيخ طه ، ليمر النهر أمام بستان كل آب ( او بستان كليب ) و يصل إلى بستان الزهرة و منها إلى بستان القصر ثم إلى بساتين الشيخ سعيد و الوضيحي .
و كانت الجسور تقطع النهر .....بما تحمله من جمال و رومانسية للناس الذين يقفون عليها و يراقبون النهر ،و تعددت الجسور على هذا النهر ، و أولها جسر الصيرفي ( مكان مطعم لاغونا حاليا) ، ثم جسر المعزة مكان جامع التوحيد الحالي ،ثم الجسر الكبير مكان ساحة سعد الله الجابري ، ثم جسر الناعورة بالقرب من مديرية السياحة أمام المتحف حاليا ، حيث كانت في حلب ناعورة قائمة على نهر قويق ، ثم جسر الدباغة بالقرب من كراجات الباصات الحالية ، ثم جسر الزلاحف بالقرب من المشارقة ، ثم جسر السنديانة قرب الكلاسة ، ثم جسر الحج .
أما منطقة العزيزية فقد كانت تسمى ( جبل النهر ) لأنها منطقة مرتفعة مطلة على نهر قويق .
و عندما كان النهر يفيض تتجمع مياهه ، و تغمر منطقة الفيض الحالية ، و تغمر البساتين ، و تغزو المنطقة أسراب من اللقلق ..
و يروي ابن العديم مؤرخ حلب أن سيف الدولة الحمداني لما بنى قصره على جبل الإذاعة الحالي ساق نهر قويق وأدخله في قصره ، وكان قد رأى في منامه كأن حية قد طوقت داره، فعظم عليه ذلك، فقال له بعض المفسرين: الحية في النوم ماء، فأمر بحفر قناة بين داره وبين قويق ، حتى أدار الماء حول الدار.
و كان النهر ينبع من عنتاب في تركيا ويغور في المطخ ، و هي منطقة جنوبي حلب تقع بعد قرية العيس و الحاضر .
و يبدو أن مشكلة جفاف هذا النهر مشكلة تاريخية ، و خاصة في فصل الصيف ، فالصنوبري يصف ماؤه عندما ينضب :
تغوص البعوضة في قعره و تأبى قوائمها أن تغيبا
و يذكر الغزي في كتابه نهر الذهب أن الأمير سيف الدين ارغون الدودار الذي كان نائب حلب منذ
ستمائة سنة تقريبا ، قد شق قناة تصل إلى قويق ، و ساق إليها نهر الساجور ، و هو نهر ينبع شمال حلب بالقرب من منبج و يصب في نهر الفرات .
فدام جريان قويق صيفا و شتاءا حوالي المأتي سنة ..حتى زوال دولة المماليك ، و قيام الدولة العثمانية ، التي أهملت صيانة هذه القناة فزالت تدريجيا .
وقد تم إقامة العديد من السدود على النهر في تركيا بدءا من السبعينيات من القرن الماضي ، الأمر الذي تسبب في تضاءل المياه الواصلة إلينا ، و إلى موت الحياة فيه تماماً ...بعد جفاف الينابيع التي كانت تغذيه حول حلب ، و هي ينابيع العين البيضاء في المسلمية وعين التل في منطقة عين التل الحالية ، والعين المباركة او نبع رجب باشا الواقعة قرب قرية الشيخ سعيد ، وتحول مجرى النهر إلى مصرف لمياه الأمطار والصرف الصحي والصناعي لمدينة حلب .
و صارت للنهر رائحة كريهة بعدما صارت مياهه من مجاري الصرف الصحي ، و ضج سكان الأحياء التي حول النهر من رائحته ، و انتشرت حبة اللشمانيا التي عرفت بحبة حلب ، و هي الحبة التي تنتج عن قرصة البعوض المتكاثر فيه .
فقامت البلدية في الثمانينيات بسقف مجرى النهر و إغلاقه ، مع إبقاء المجرى تحت الأرض ، و ذلك من منطقة العزيزية و لغاية سوق الهال ، و تحويل سقفه إلى منتزهات و حدائق و نوافير مياه .
و منذ سنوات قليلة انتهى مشروع الصرف الصحي في حلب ، الذي حول مياه المجاري إلى محطات معالجة في الشيخ سعيد .
و صار مجرى النهر القديم جاهزا لتلقي مياه الفرات في مشروع مميز ...جر الماء من بحيرة الأسد عبر قناة مسكنة ، و منها إلى قناة خاصة بطول إجمالي يبلغ سبعين كيلومتر ،ليصب في محطة ضخ ترفع الماء ليهبط من ارتفاع عشرين مترا في شلالات بديعة قرب مشفى الكندي ، و يسير في المجرى القديم ، داخلا حلب ،وليخرج منها و ينتهي مصبه في بحيرة سد خانطومان المنوي إنجازه جنوبي حلب .
و قد افتتح بداية ضخ المياه فيه السيد الرئيس بشار الأسد منذ أيام معدودة ....و وجه المسؤولين بحلب إلى إقامة حديقة عامة على المجرى في منطقة بستان الباشا ، مكان مشتل الزراعة الحالي ، كما وجه بإقامة منتزهات شعبية بالقرب من الشلالات الجديدة .
بعودة المياه النظيفة إلى مجرى قويق ، لعل الحلبيون يلتزمون بعدم رمي الأوعية البلاستيكية و القاذورات في النهر ...و التي بدأت بالظهور فيه ، و لعل النزهات الحلبية القديمة على ضفاف النهر ...و في بساتين حلب تعود إلى سابق عهدها.
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
عندما بدأت الحملة الممنهجة لتبييض صورة السلطان عبد الحميد عمدت بعض الكتابات العربية للترويج لقصة اليهود الدونمة ومحاولتهم شراء أجزاء من فلسطين ورفض السلطان عبد الحميد لذلك بطريقة بطولية مما دعا هؤلاء لخلعه المزيد
جاء في الفصل الأول المعنون : الشخصية الحميدية من كتاب "أوهام الذات المقدسة السلطان عبد الحميد لمؤلفه المحامي علاء السيد وذلك تحت تحت عنوان : رقابة المطبوعات الحيوية المزيد
اعتمد كتاب"أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" على حوالى 78 مصدرا ومرجعا و على ما نشر في حوالى 17 جريدة ومجلة من أخبار ومقالات متعلقة بما ورد في الكتاب المزيد
الفهرس 6 , مقدمة 9 , تمهيد 11 , الفصل الأول: الشخصية الحميدية 29 , طفولة سلطان 31 , شروط مدحت 33 المزيد
أفرد كتاب "الذات المقدسة ، السلطان عبد الحميد الثاني" فصلاً كاملاً بعنوان : "السلطان عبد الحميد وقضية فلسطين" في 56 صفحة فيها 116 اشارة توثيقية مرجعية المزيد
لإيفاء دراسة شخصية عبد الحميد حقها، يجب أن نعي تماماً أن هذه الشخصية تطورت وتعقدت خلال ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم، المزيد
إن الاستيطان اليهودي في فلسطين زمن الدولة العثمانية حتى نهاية عهد السلطان عبد الحميد وقبل عهد " الاتحاد والترقي" بُني على طريقتين المزيد
مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي. والرد على المقال . المزيد
لا تزال الأسئلة والتكهنات كثيرة حول نشوء تنظيم "الماسونية" السري والذي يعرف باسم "عشيرة البناؤون الأحرار"، ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية المزيد
لم يثر رجل الجدل كما أثاره جرجي زيدان، فمنهم من اعتبره باحثاً وأديباً وصحفياً موسوعيا ومجدداً في إسلوب الطرح التاريخي، ومنهم من اعتبره مخرباً مزوراً للتاريخ عامة وللتاريخ الإسلامي خاصة المزيد
قلة يعرفون أن اسكندر فرح و هو من مواليد دمشق سنة 1851م حاز أعلى الدرجات الماسونية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ سوريا و حقيقة الأمر أنه عندما تعين مدحت باشا المزيد
في مطلع العشرينات نشطت حركة بناء العقارات في محلة العزيزية سواء بهدف السكن أو التجارة. قام عدة أثرياء ببناء أبنية سكنية تشابه القصور للسكن فيها. المزيد
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، انسحبت القوات التركية وحلفاءها الألمان من سوريا، و قد كان تعدادهم قد وصل إلى عشرة آلاف جندي ألماني، وخمسة عشر ألف جندي تركي، وحوالي اثنا عشر ألف جندي عربي موالين للعثمانيين المزيد
يعتبر بيت الخواجة فتحي انطاكي من أهم واقدم البيوت في محلة العزيزية، وتعود قصة بناء هذا البيت للقرن التاسع عشر عندما أدرك ثلاثة من تجار حلب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أن فرصة الربح كبيرة في حال المتاجرة بالاراضي المعدة المزيد