حلب - طلعة حي الخالدية من جهة حي العمران عام 1965م

12-02-2020 21626 مشاهدة

حي الخالدية بحلب : صورة نادرة وقصة

في عام 1948 كانت الهضبة التي ستشكل حي الخالدية لاحقاً بعيدة عن أحياء مدينة حلب التي كانت تصل لحديقة السبيل فقط، اختار هذه الهضبة الجرداء المدرس الشيخ محمد طه عنجريني القادم من قرية عنجارة لشراء أرض عليها وبناء مدرسة نموذجية لنقل مدرسته الصغيرة التي كانت في حلب القديمة في منطقة العدسات إليها.

اشترى متر الأرض المربع ب 80 قرشاً، وكان الخواجة موريس عبجي يملك أغلب الأراضي في تلك الجهات، والتي أقيم عليها لاحقا حي الشهباء القديمة وحي العمران ( الموكامبو) وحي الخالدية.
افتتح الشيخ طه مدرسته وجعلها مدرسة داخلية لأبناء الريف وأسماها المدرسة "الخالدية" وهو الاسم الذي سيكون ملازماً لاحقاً لهذه الهضبة من الأرض.

أغلقت هذه المدرسة عام 1960 وتحول بناءها لسكن أسرة صاحبها الشيخ طه العنجريني الذي توفي عام 1980 وتم تعيين ابنه المرحوم الحاج فاتح عنجريني الذي اشتهر بالطيبة وحسن الخلق مختاراً للحي، وحفيده الاستاذ المهندس الصديق أبو فاتح عنجريني حالياً عضواً في مجلس المدينة.

بدأ الخواجة موريس ببيع قطع من الأراضي على هذه الهضبة المرتفعة عليلة الهواء لإنشاء فيلات سكنية عليها ولتكون منطقة "ضاحية فيلات".

ظهرت أول الفيلات عام 1955 وتتالى بناء العائلات الكريمة لفيلاتهم مثل عائلات آل زبيدة وحمو وفجلة وصباهي والدادا وطحان وابوسعدى ونحاس وحجو وغيرهم.

بدأ سكان الأرياف القريبة بالتوافد والبناء على هذه الهضبة أيضاً، ولكن بشكل مساكن بسيطة ( حواش عربي) ومنهم العائلات الكريمة آل عنجريني وعتك وكردية والعمر وشيخو ورقية ودلو وحماش و الأشقر وحماده وصديق والدقس وشحادة وسعد وشلار وغيرهم كثير، قادمين من الريف القريب من حلب كالليرمون والتوامة وكله وعنجارة وحزانو وحيان وغيرها.

تبرع الخواجة موريس عبه جي بقطعة أرض لبناء جامع عليها وتم تشكيل لجنة من أهالي الحي والأحياء المجاورة لجمع التبرعات وتعين رئيساً على اللجنة الحاج محمد دوغاني وبدأ بناء جامع عمار بن ياسر وكان الجامع الأكبر والأهم في المنطقة وكان خادم الجامع السيد ابو محمد قزيز.
افتتح أل "كلو" فرناً للخبز في المنطقة وافتتح الصيدلي عدنان سويد صيدلية فيها، وافتتح آل الأفندي محلا للحلويات العربية والمامونية والشعيبيات، وتحولت أحياءها العالية إلى ما يشابه قرية صغيرة قريبة من حلب.

في عام 1967 اعتبرت بلدية حلب هذه الضاحية احد أحياء حلب وتمت تسميتها رسمياً في السجلات باسم حي الخالدية وبدأ باص النقل الداخلي بالوصول إليها انطلاقاً من سوق الخضار منشية باب جنين.

وبدأ سكان الحي ببيع الخضار في بسطات بسيطة أمام بيوتهم لسكان الأحياء المجاورة ثم بدأوا باقتطاع غرف من بيوتهم وتحويلها لدكاكين خضار.

في نهاية السبعينات قام السيد ابو عبدو تومان بافتتاح محل فروج قصر النيل وجلب جهازاً حديثاً في ذلك الزمن يقوم بشي الفروج النيئ وتدويره آليا وكانت هذه الطريقة غير معروفة في المنطقة.

بدأ بعض سكان الحي الكرام بالتجول في الأحياء القريبة لبيع خضرواتهم وكان منهم من يبيع متجولاً على البسكليت أو على الحمار أو يبيع الخضار على الطرطيرة ويوصلها للمنازل في خدمة مبكرة للتوصيل المنزلي. وكانت بعض سيدات الأحياء المجاورة يلجأن لسيدات الخالدية للف اليبرق لديهن وهي "الأكلة" المفضلة عند الحلبيين والأصعب تحضيراً.

في عام 1987م افتتح السيد ابراهيم حلواني محل الحلواني لبيع المونة الغذائية المحضرة منزلياً ( دبس بندورة ودبس فليفلة و ملوخية يابسة ....الخ ) لتسويق انتاج سيدات البيوت في الخالدية وتميزت بضاعته بالجودة الفائقة.

وقامت احدى سيدات الحي التي كانت توزع الخضار على الطرطيرة ( ألية بسيطة بثلاث عجلات) وتدعى ام محمود بابتكار فكرة تجهيز الخضار وتقطيعها وتوصيلها لتكون جاهزة للطبخ لقاء تقاضي مبلغ بسيط. وانتشر هذا الاسلوب في بيع الخضار انتشاراً واسعاً واشتهر به الحي.
بني في الحي مجمعا استهلاكيا حكوميا فيه مؤسسة استهلاكية ضخمة وفرن حكومي وبدأت ملامح الحي التجارية بالظهور.

في التسعينات وخلال طفرة تجارة البناء بدأ السكان ببيع "حواشهم العربية" ليقوم تجار البناء بهدمها وتعمير صالات تجارية ومحلات ومطاعم ومقاهي بدلا ًعنها وبلغ سعر المتر المربع الواحد أسعاراً خيالية في ذلك الوقت تزيد على المائة ألف ليرة سورية.

تحول الحي الوادع إلى أحد أهم الأحياء التجارية بحلب وافتتحت به عدة محلات تجارية ثم مولات، كان من أول محلاته التجارية الكبيرة لبيع المواد الغذائية محل "المختار" لأصحابه أحفاد المرحوم الشيخ طه العنجريني صاحب مدرسة الخالدية، وتسابق أصحاب أشهر العلامات التجارية لصناعة وتجارة الحلويات والأطعمة والخضار والمواد الغذائية لافتتاح محلاتهم فيه.

تعرض الحي للأسف خلال الحرب للقذائف وتضررت أبنيته واستشهد عدد كبير من سكانه وتوقفت الأعمال التجارية فيه.

نتمنى للحي ولسكانه عودة الأحوال المزدهرة مع اقتراب مرحلة تطهير محيطه بإذنه تعالى.

المحامي علاء السيد
------------------------------------------------------
كل الشكر للباحث الصديق الأستاذ فراس رحمو الذي وضع نواة توثيق تاريخ الأحياء بحلب.

السابق عرض الكل التالي
شارك الموضوع مع اصدقائك !!
لمتابعة أحدث منشورات دار الوثائق الرقمية التاريخية على شبكات التواصل الاجتماعي :

صور أخرى ضمن  صور نادرة

أكثر الكتب مشاهدة

مكتبة الفيديو

أكثر الصور مشاهدة

أكثر المقالات قراءة

20-04-2020 100967 مشاهدة
ما لم ينشر عن "الطقس الاسكتلندي الماسوني "(The Scottish Rite)

لا تزال الأسئلة والتكهنات كثيرة حول نشوء تنظيم "الماسونية" السري والذي يعرف باسم "عشيرة البناؤون الأحرار"، ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية  المزيد

15-09-2020 93304 مشاهدة
جرجي زيدان والماسونية

لم يثر رجل الجدل كما أثاره جرجي زيدان، فمنهم من اعتبره باحثاً وأديباً وصحفياً موسوعيا ومجدداً في إسلوب الطرح التاريخي، ومنهم من اعتبره مخرباً مزوراً للتاريخ عامة وللتاريخ الإسلامي خاصة  المزيد

24-04-2020 91974 مشاهدة
اسكندر فرح من كبار رجال الماسونية في سوريا نهاية القرن التاسع عشر

قلة يعرفون أن اسكندر فرح و هو من مواليد دمشق سنة 1851م حاز أعلى الدرجات الماسونية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ سوريا و حقيقة الأمر أنه عندما تعين مدحت باشا  المزيد

09-05-2020 90798 مشاهدة
تاريخ بناء منزل آل انطاكي في محلة العزيزية بحلب

يعتبر بيت الخواجة فتحي انطاكي من أهم واقدم البيوت في محلة العزيزية، وتعود قصة بناء هذا البيت للقرن التاسع عشر عندما أدرك ثلاثة من تجار حلب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أن فرصة الربح كبيرة في حال المتاجرة بالاراضي المعدة  المزيد

08-03-2020 89939 مشاهدة
تاريخ فيلا روز بحلب

في مطلع العشرينات نشطت حركة بناء العقارات في محلة العزيزية سواء بهدف السكن أو التجارة. قام عدة أثرياء ببناء أبنية سكنية تشابه القصور للسكن فيها.  المزيد

24-12-2019 88110 مشاهدة
الاحتلال البريطاني لسوريا 1918

عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، انسحبت القوات التركية وحلفاءها الألمان من سوريا، و قد كان تعدادهم قد وصل إلى عشرة آلاف جندي ألماني، وخمسة عشر ألف جندي تركي، وحوالي اثنا عشر ألف جندي عربي موالين للعثمانيين  المزيد