الرئيس شكري القوتلي في حفل افتتاح قناة جر مياه الفرات لحلب عام 1955م

07-02-2022 4591 مشاهدة

خواطر وحقائق عن مشروع ارواء مدينة حلب من مياه الفرات للمرة الأولى عام 1955م
بقلم المحامي جلال قدسي

إن حاجة مدينة حلب الشهباء للمياه ظاهرة تاريخية وقدّر لسكانها معاناة الظمأ والعطش منذ قديم الزمان. وكانت مياه حيلان المصدر الرئيسي لمياه حلب بالإضافة إلى مياه الآبار والصهاريج منذ أيام الآشوريين، ثم أضيفت إليها مياه نهر قويق ونهر الساجور وعين التل، ولكن معظم هذه الأنهار الموجودة في ذلك الوقت في المناطق المحيطة بحلب كانت من الأنهار الموسمية التي تعتمد على مياه الأمطار وتشحّ في فصل الصيف. 

 ونتيجة تحويل تركيا لمياه نهر قويق الذي ينبع في أراضيها وجفاف مياه نهر الساجور سابقاً فقد جفت تقريباً منابع مياه حيلان في عشرينيات القرن الماضي وانقطعت المياه الصالحة للشرب عن معظم سكان مدينة حلب وأصبحوا يعانوا من الظمأ، واتبع نظام قاس لتقنين المياه فيها.

ثم قامت الشركة الفرنسية (شركة الكهرباء والنقل) التي منحتها بلدية حلب في عامي 1929م  و1930م  اتفاقية امتياز لتأمين المياه إلى مدينة حلب بتحسين ينابيع عين التل وبتمديد شبكة المياه منها إلى داخل بيوت بعض المناطق في المدينة، وبوشر بتركيب عدّادات المياه فيها. وكانت كمية المياه التي تصل إليها من عين التل تبلغ حوالي 12 ألف متر مكعب يومياً بينما حاجة المدينة تزيد على 30 ألف متر مكعب يومياً. 

وفي خلال فترة الأربعينيات من القرن الماضي عانت حلب من أزمة شديدة في المياه واشتدّ وطأة العطش فيها واتبع نظام تقنين أشدّ وأقسى في توزيع المياه لأن مياه عين التل أصبحت عاجزة عن تأمين حاجة المدينة التي أخذت في التوسع العمراني والاجتماعي في ظل أزمة مياه مزمنة.

لذلك بادرت الحكومة الوطنية والمجلس النيابي بعد حصول سوريا على الاستقلال بإصدار قانون خاص في عام 1947م  لمشروع جر مياه الفرات إلى مدينة حلب، وفي السنة التالية 1948م تم تكليف الشركة الإنجليزية ألكساندر جيب بأعمال المسح الجوي لأراضي مناطق الفرات التي سيمر فيها المشروع وقدمت تقريرها في نفس العام، بعد ذلك تم مباشرة الأعمال التمهيدية للمشروع. 

وفي بداية عام 1952م  تولى المرحوم نادر القدسي منصب المدير العام ورئيس مجلس إدارة مشروع جر مياه الفرات إلى مدينة حلب، فأوقف جهوده كلها على حسن إدارته وتنفيذه بكل همة ونشاط وتغلب على الصعوبات الكبيرة التي كانت تعيق سير العمل فيه، وجعل هذا المشروع الحيوي الضخم ينطلق إلى الحياة وبذل الجهد الكثير ليلاً ونهاراً بمؤازرة من مجلس الإدارة وموظفي ومستخدمي ومهندسي وعمال المشروع، وبهدى ودافع من الآية الكريمة ))وأسقيناكم ماءً فراتا(( حتى تم إنجاز المرحلة الأولى منه في وقت قياسي وبشكل مطابق للمواصفات الفنية العالمية وعلى أحدث الطرق فيها في ظل معوقات إدارية مركزية متشعبة. 

وكان المشروع أساساً يتألف من ثلاثة مراحل، الأولى باستجرار كمية 30 ألف متر مكعب يومياً من مياه نهر الفرات إلى مدينة حلب كمصدر دائم وغزير وعذب لمياه الشرب. ومجموع كميات المياه المستجرة بعد انتهاء المراحل الثلاثة بحدود 90 ألف متر مكعب يومياً. ويتم ذلك بواسطة رفعها من نهر الفرات بالمحركات 95 متراً ومن ثم دفعها في قناة ضخمة جداً وهي قناة الجر الأولى بطول 90 كيلو متر تقريباً حتى تصل مدينة حلب ويتم التصفية والتعقيم في مبنى المحطة الثالثة في حي باب النيرب بواسطة الأوزون لتكون الشهباء انذاك رابع مدينة في العالم تعقم مياه الشرب فيها بالأوزون. 

وقد تحقق الحلم التاريخي لمدينة حلب العطشى وتحققت الأمنية التي جالت بخواطر الحلبيين طويلاً بوصول مياه الفرات إليها لأول مرة لإروائها بعد ظمأ، حين تم تدشين المرحلة الأولى من مشروع جر المياه إلى مدينة حلب عام 1955م  في حفل حاشد مهيب بحضور رئيس الجمهورية السورية المرحوم شكري القوتلي ورئيس مجلس النواب المرحوم الدكتور ناظم القدسي ورئيس مجلس الوزراء المرحوم الأستاذ سعيد الغزّي وبحضور أعضاء مجلس النواب وكبار الشخصيات الرسمية والشعبية.  

وقد أصدرت الدولة مجموعة من الطوابع التذكارية بهذه المناسبة، كما أحدثت مصلحة مياه حلب (مؤسسة مياه حلب) وتولت الإشراف عليها نفس الإدارة التي قامت بتنفيذ مشروع جر مياه نهر الفرات إلى حلب. 

وتتالى تنفيذ المرحلة الثانية والثالثة من قناة الجر الأولى لهذا المشروع بإجمالي ضخ كمية 90 ألف متر مكعب من مياه الشرب يومياً إلى مدينة حلب وتم ذلك في عهد إدارة المرحوم نادر القدسي. 

وقام بزيارة وتفقد هذا المشروع الحيوي الحديث في عصره، وذلك بعد إنجازه وتدشينه، العديد من الرؤساء العرب والأجانب، ومنهم في عهد الوحدة عام 1960م، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر برفقة الرئيس اليوغسلافي الراحل المرشال جوزيف تيتو، وأبدوا إعجابهم به. 

وتقديراً لجهود المرحوم نادر القدسي وخدماته البارزة في مجال الإدارة والوظيفة العامة صدر مرسوم جمهوري بمنحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى وكان من أرفع أوسمة الدولة في ذلك الوقت. 

في عام 1963م  انتهت خدمات الاستاذ نادر قدسي وانتقل إلى رحمته تعالى عام 1967م. 

المراجع

  • عندما شرب الحلبيون من ماء الفرات للمرة الأولى – المحامي الأستاذ علاء السيد – أرشيف حلب الوطني – دار الوثائق الرقمية.
  • أيام تاريخية في حكاية حلب مع المياه قديماً وحديثاً – الأستاذ محمد صبحي صقار – مجلة الباحثون العلمية.
  • من ذكريات حلب ... رجال وأثر – الأستاذ وضاح محيي الدين – جريدة الجماهير بحلب 
  • مجلة السنابل الحلبية 1959م .
  • الدكتور محمد خواتمي – عضو مجلس إدارة جمعية العاديات بحلب.
  • الصور من مجموعة المحامي جلال قدسي الخاصة.
من اليمين نادر قدسي وسعيد الغزي وشكري القوتلي بحفل تدشين جر الفرات لحلب 1955م
 
د ناظم القدسي وشكري القوتلي وامامهم مدير المشروع نادر القدسي
 
الرئيس القوتلي وأمامه نادر القدسي
 
مدير المشروع نادر قدسي والرئيس شكري القوتلي
 

مشروع جر الفرات لحلب في مجلة السنابل 1955

 
طابع بريدي صدر بمناسبة جر مياه الفرات لحلب
 

مدير مشروع جر الفرات لحلب الاستاذ نادر قدسي

 
مدير المشروع نادر القدسي والرئيس شكري القوتلي
السابق عرض الكل التالي
شارك الموضوع مع اصدقائك !!
لمتابعة أحدث منشورات دار الوثائق الرقمية التاريخية على شبكات التواصل الاجتماعي :

صور أخرى ضمن  صور نادرة

أكثر الكتب مشاهدة

مكتبة الفيديو