خاطرات جمال الدين الحسيني الأفغاني

هذه الخاطرات لجمال الدين الافغاني و هو جمال الدين الحسيني الأسد آبادي، ولد في أسد آباد في إيران فهو عربي النسب،  فارسي المولد، أفغاني اللقب، مصري المعيشة، تركي الوفاة، ولد سنة 1839م، كانت لأسرته منزلة عالية في بلاد الأفغان، 

تعلم اللغة العربية، واللغة الأفغانية، والانكليزية عندما أقام وهو شاباً في الهند، حج مكة المكرمة عام 1857م وعاد منها لأفغانستان التي كانت تحت الاحتلال الإنكليزي، 

ثم انطلق منها قاصداً الحج مرة أخرى فوصل السويس عام 1870م.وهناك قرر السفر للأستانة حيث كان السلطان عبد العزيز، لم تطل إقامته هناك بعد إشكالات وقع بها مع رجال القصر السلطاني، فقد ألقى خطاباً في دار الفنون في الحث على الصناعات شبه فيه المعيشة الإنسانية  ببدن حي وأن كل صناعة بمنزلة عضو منه، فشبه الملك بالمخ، والحدادة بالعضد، والزراعة بالكبد والملاحة بالرجلين، وغير ذلك، ثم قال: "ولا حياة لجسم إلا بروح وروح هذا الجسم إما النبوة وإما الحكمة" 

مما أهاج عليه شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي وعدداً من العلماء والوعاظ في المساجد محتجين على جمال الدين بأنه جعل النبوة صنعة. فطلب منه السلطان الرحيل عن الأستانة. وعاد إلى مصر حيث استضافه الخديوي اسماعيل وطلب منه التدريس فيها فرفض التدريس بالأزهر وألقى الدروس في بيته، وفي عام 1876 بدأت مصر تغرق في الديون بسبب إسراف الخديوي وبدأ التدخل البريطاني سافراً فيها، وعلا نجم الأفغاني في تلك الفترة باعتباره معلماً ومفكراً وكاتباً ورجل دين، وتتلمذ على يديه الشيخ محمد عبده. 

ويقال انه انتسب للماسونية فيها وبلغ أعلى الرتب، وقد كتب بنفسه أسباب دخوله هذا المحفل قائلاً: «وأول ما شوقني في بناية الأحرار عنوان كبير خطير، حرية وإخاء ومساواة، ومنفعة  الإنسان وسعي وراء دك صروح الظلم، وتشييد معالم العدل المطلق»، ولا شك أن  هذه الأهداف هي ما يحلم بتحقيقه كل مصلح.

تعرف هناك على أكابر رجال مصر، كان الافغاني منبوذاً من علماء الأزهر الذين رأوا في تعليمه الفلسفة وبعض آرائه فسقاً. 

ما أن تولى الحكم توفيق وريث الخديوي اسماعيل حتى أمر بتوجيه من البريطانيين بنفي الأفغاني إلى الهند في عام 1879م. 

عندما قام عرابي بثورته التي أدت إلى احتلال بريطانيا لمصر، سافر الأفغاني من الهند إلى لندن ومنها مباشرة إلى باريس سنة 1883م واستدعى إليه تلميذه محمد عبده، وأصدرا هناك مجلة العروة الوثقى التي تنادي بتحرير مصر والسودان من الاحتلال الإنكليزي، وكانت الثورة المهدية في السودان قائمة على أشدها، ولكن بعد سبعة أشهر أوقف المجلة، وعاد محمد عبده لسوريا ومنها لمصر وبقي الأفغاني في باريس لثلاث سنوات. 

سافر منها إلى روسيا عام 1887م، وأقام بضيافة القيصر وبقي فيها ثلاث سنوات أتقن خلالها اللغة الروسية، وكتب خلالها المقالات العنيفة في الصحف الروسية مهاجماً السياسة الإنكليزية في أفغانستان،  

قابل قيصر روسيا أخيراً وطلب منه التخلي عن الحكم الفردي، فما كان من القيصر إلا ان طلب منه الرحيل. 

في سنة 1889م سافر إلى طهران برعاية الشاه وطالبه هناك بالاستعاضة عن الحكم المطلق بملكية دستورية وفق النظام الإنكليزي، وبعدما هاجم النفوذ الإنكليزي المتنامي في إيران ما لبث الشاه أن نفاه إلى البصرة فأقام فيها حتى انتقل لإنكلترا ليهاجم الشاه منها، 

دعاه السلطان عبد الحميد سنة 1892م للإقامة بالأستانة بضيافته في قصر منيف، بعدما اقترح الأفغاني على السلطان عبد الحميد محاولة  «إقامة دولة إسلامية اتحادية بزعامة العثمانيين ثم بعد ذلك تنضم الممالك الإسلامية الأخرى مثل إيران وأفغانستان والهند إليها » 

وسميت تلك الطروحات حينها الجامعة الإسلامية، ويقال أن السلطان عبد الحميد عرض عليه تولي مشيخة الإسلام فأباها، وقال: "أن وظيفة العالم فيما يزاول من تعليم، وان رتبته فيما يحسن من علم." 

ولكن سرعان ما ارتاب به السلطان وحول القصر إلى سجن لمراقبته، 

فلا عجب أن يكتب شيخ شيوخ السلطنة أبو الهدى الصيادي من الآستانة إلى السيد رشيد رضا  صاحب المنار قائلاً: "أني  أرى جريدتك طافحة بشقاشق المتأفغن جمال الدين الملفقة وقد تدرجت به إلى  الحسينية التي كان يزعمها زوراً، وقد ثبت في دوائر الدولة رسمياً أنه مازندارني (مازنداران مدينة فارسية) من أجلاف الشيعة ..وهو مارق من الدين كما مرق السهم من الرمية". 

وقد نشر رضا هذه الرسالة في مجلته المنار في الصفحة الرابعة من الجزء الأول من المجلد 12 تا21 شباط 1909م. 

عندما مرض الأفغاني بمرض في فمه بعد علاج أسنانه، وهو مرض السرطان الذي ظهر في الشفة السفلى فاستولى على جميع وجهه بالتدريج، أرسل له السلطان طبيبه الخاص فأجرى له ثلاث عمليات سرعان ما توفي على أثرها سنة 1897م، 

وقيل أن سبب الوفاة كان قصداً بسبب العملية. ويقال أن السلطان لم يهتم كما يجب بمراسم دفنه.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة