حلب زمن الرومان ثم البيزنطيين وفق سوفاجيه

مخطط حلب الافتراضي زمن الحكم الروماني ثم البيزنطي وفق آراء سوفاجيه

مع نمو الإمبراطورية الرومانية وانتصارها على مقدونيا الإغريقية عام 197 ق.م، استولى الرومان بالتدريج على سوريا لتعلن رسمياً عام 64 ق.م مقاطعة رومانية.

يبدو أن الرومان عندما دخلوا حلب لم يعدلوا شيئاً في التخطيط العام لمدينة حلب القديمة، التي يرى الباحث الفرنسي سوفاجيه المتوفى عام 1950م  أن أحد قواد الاسكندر المقدوني وهو سلوقس الأول نيكاتور (نيكاتور تعني المنتصر) أعاد تأسيس مدينة جديدة مكان مدينة حلب القديمة ذات الطراز السوري الآرامي عام 321 قبل الميلاد.. وأن هؤلاء الاغريق أعادوا تخطيط مدينة حلب السورية الآرامية وفق تخطيط مدنهم الإغريقية بما يسمى المخطط الشطرنجي. طبعا لا تتوفر حفريات آثرية تؤكد بشكل قطعي او تنفي أفكار سوفاجيه بهذا الخصوص.

عندما انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية عام 395 م أيام الامبراطور تيودورسيوس كانت سوريا من حصة بيزنطة، ولا توجد دلائل أثرية واضحة حتى الآن عن تطور المدينة في تلك الفترة.

في عام 540 م استطاع كسرى الأول ملك الفرس في إطار نزاعاته مع الإمبراطورية البيزنطية  دخول حلب، وبقيت قواته فيها حوالي العشر سنوات، يرى بعض البحاثة استنادا إلى بعض المراجع التاريخية التقليدية أن كسرى  أضاف خلالها أجزاء إلى أسوار حلب بالقرميد المشوي وفق الطراز الفارسي للبناء الذي كان متبعا في بلاد " النهرين " العراق أيضا حينذاك، في دلالة إلى أنه كان ينوي البقاء لمدة أطول فيها . لم يتم العثور أثرياً على بقايا من ذلك السور المبني بالطوب حتى تاريخه. 

يرى سوفاجيه أن أحياء المسيحيين في تلك الفترة البيزنطية قبل الاسلام كانت تقع جنوب المدينة في أحياء العقبة والجلوم، ودليله على ذلك وجود عدة كنائس مسيحية قريبة من تلك الأحياء أهمها الكاتدرائية العظمى التي رممها في هذه الفترة جوستنيان مكان المعبد القديم المفترض الذي بناه سلوقس نيكاتور وسميت بكاتدرائية هيلانة، وأمامها كانت ساحة المدينة وهي المدرسة الحلوية حاليا جانب الجامع الأموي الكبير. ويستند بعض البحاثة للمراجع التقليدية ككتاب ابن شداد لذكر أنه كانت توجد كذلك كنيستين في قلعة حلب ذاتها، ولكن يجب التذكير دوما أنه في علم الآثار لا يجب الركون إلى المراجع التاريخية دون مطابقتها مع الحفريات الآثرية وأنه رغم العثور على بقايا بيزنطية في القلعة ولكن لم يتم الكشف حتى تاريخه على بقايا بناء الكنيستين بشكل واضح وجلي، ربما يحدث ذلك في المستقبل.  

كما يطرح سوفاجيه لاثبات وجود الأحياء المسيحية جنوب المدينة قبل الاسلام  فكرة وجود باب جنوبي هو باب قنسرين، الذي  يعتقد سوفاجيه أنه كان يفضي إلى مقابر المسيحيين. ولم يتم حتى تاريخه التنقيب الأثري  والعثور على بقايا هذه المقابر. 

ويرى سوفاجيه أن حي بحسيتا بُني في هذه الفترة أيضا شمالي المدينة، وكان اليهود يقطنون فيه . 

ودليله إلى ذلك وجود كنيس يهودي قديم للعبادة في بحسيتا، كما يثبت آراءه هذه بأنه كان للسور باب يسمى باب اليهود (وهو يسمى باب النصر) وكان يفضي إلى مدافن اليهود. 

الإشكالية العلمية الاثرية تتجلى بأن تاريخ بناء الكنيس في بحسيتا غير ثابت أثريا بشكل قطعي، وأن تسمية باب النصر السابقة باسم باب اليهود لا تستند إلى اثبات أثري، كالعثور على نقش مؤرخ يؤكد ذلك، كما لم يتم العثور أثريا على بقايا قبور يهودية تعود للعصور البيزنطية في المنطقة خارج باب النصر . 

وجميع هذه الفرضيات تعتمد على ما وصل إلينا من معلومات مذكورة في كتب منسوبة لابن العديم وابن شداد وابن الشحنة وغيرهم ، علما أن الدارس الرصين لهذه الكتب لا يمكن أن يؤكد سواء صحة نسبتها لمن كتبها أو حتى صحة كتابتها في ذلك التاريخ القديم ، ولدقة وعلمية تحقيق المخطوطات حديث آخر ، في كل الأحوال لا يقبل علم الآثار الاستناد الى هذه المعلومات فقط الواردة في الكتب دون مطابقتها بالعثور على مكتشفات أثرية تؤكدها. 

كما يرى سوفاجيه استنادا الى بعض المراجع أيضا أن بدو العرب (من بني تنوخ) مع جمالهم وخيولهم وخيامهم، ولسهولة الحركة فضلوا أن ينشؤا حياً خاصاً بهم خارج الأسوار هو حاضر حلب الذي تحول لاحقاً إلى محلة الكلاسة. مع أن مغاير الكلاسة الكلسية المعروفة ربما كانت مسكنا لأهالي حلب منذ العصور التي تسمى اصطلاحا " العصور الحجرية" وهذا الامر أعتقد أنه سابق لاقامة قبائل تنوخ من البدو في تلك المنطقة، مما ينفي فرضية سوفاجيه هذه.

يتبنى معظم الباحثون في تاريخ مدينة حلب هذه الفرضيات التي وضعها سوفاجيه ومن تلاه من بحاثة كحقائق مسلمة، ولا يذكرون أنه لا يوجد اثبات علمي أثري قطعي على ما ورد فيها، في ظل غياب شبه كلي لعمليات التنقيب الأثري العلمي الممنهج داخل أحياء مدينة حلب القديمة، ويتجاهلون أن أهم البحاثة في العالم يسبقون فرضياتهم بعبارات مثل " ربما " او " نعتقد " او "قد يكون ".

المرجع : تاريخ حلب المصور أواخر العهد العثماني  - المحامي علاء السيد - دار شعاع -حلب الطبعة الثانية  2015م

لتحميل كتاب حلب - مراحل تطور مدينة منذ نشأتها باللغة الفرنسية و ترجمة الاستاذ فريد جحا :

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة