عندما هاجم البرلمان السوري نزار قباني 

في بدايات نزار قباني الشعرية في عام 1954 وكان حينها موظفا في السفارة السورية في لندن نشر قصيدته (خبز وحشيش وقمر) في مجلة الآداب اللبنانية ( يمكن الاطلاع على كامل نص القصيدة في نهاية المقال) ، كانت القصيدة غاية في الجرأة بالنسبة لذلك الزمن ولم يكن نزار شاعرا معروفا حينها، هاجم في قصيدته العادات الدينية والاجتماعية العربية بشراسة. وقامت القيامة ولم تقعد عليه.

بدأ الهجوم من النائب الحلبي حسين الشعباني وهو نائب معتدل غير محسوب على التيار الديني بل كان مقربا من فرنسا خلال فترة الانتداب ويوصف بالانفتاح على الغرب ، قام هذا النائب في جلسة 2 نيسان 1955 -بعد أشهر من نشر القصيدة وتفاعل الموضوع شعبيا- بتوجيه مساءلة لوزير الخارجية السوري عن التدابير التي اتخذتها الوزارة بحق أحد موظفيها الذي نشر قصيدة تسيئ لسمعة البلاد ووصف القصيدة في كلمته امام النواب بأنها وقحة وأن تصرف هذا الموظف لا يتفق مع الآداب واللياقة ولا يتفق مع الاعتقادات الدينية، وطالب وزارة الخارجية باقصاء الموظف عن عمله وإحالته للقضاء لينال جزاء استهتاره بسمعة بلاده وبكرامتها وبمثلها العليا على هذا الشكل المزري، حسب تعابير النائب الحرفية.

لم تجب وزارة الخارجية على تساؤلات النائب ومطالبته، رغم أن العادة في ذلك الوقت أن يحضر وزير الخارجية امام المجلس ويجيب على تساؤلات النواب او كان بالحد الأدنى يرسل إجابة خطية.

بعد حوالي الشهر ونصف الشهر قام الشيخ مصطفى الزرقا وهو أيضا نائب عن حلب بتوجيه مساءلة مباشرة لوزير الخارجية عبر كلمة علنية تحت قبة المجلس بادئا فيها بالاعتراض على تقديم الخمور في الحفلات التي تقيمها وزارة الخارجية السورية ويحضرها الاجانب معرجا على موضوع المساءلة السابقة لوزارة الخارجية عن التصرف الذي يجب أن تتخذه مع موظفها نزار قباني قائلا: ان هذا الموضوع هو موضوع قومي قبل أن ييكون موضوع ديني ووصف قصيدته بأنها قصيدة داعرة فاجرة انحلالية إلحادية وتظهر الشعب العربي بأقبح صورة، وأن اسرائيل كانت لتدفع مليونا من الجنيهات لتحصل على هذه الوثيقة من ممثل سوريا في الخارجية السورية قصد الاساءة للعرب، ثم قام الشيخ الزرقا بقراءة القصيدة كاملة على المجلس. 

ثم قال : هذا الموظف الذي ثارت عليه جميع الصحف حتى الصحف التي ليس لها اتجاه ديني أو اتجاه مثالي، لقد ثارت عليه كلها فلم تبق صحيفة من الصحف الا ونددت به. 

وذكر الشيخ مصطفى الزرقا أنه طالب وزير الخارجية خالد العظم سابقا باتخاذ الاجراءات بحق الموظف فأجابه الوزير : إن هذا أمر بسيط يقال أمثاله في هذا الموقف.

وانهى الشيخ الزرقا كلمته أمام المجلس قائلا : ما هذه الوزارة هل هي وزارة أم دعارة؟

أجابه فورا الوزير فاخر كيالي لغياب وزير الخارجية عن الجلسة : ان هذا الكلام مردود عليك وهذه وزارة وليست دعارة.

وحسم الدكتور ناظم القدسي رئيس مجلس النواب الأمر قائلا : نرجو الابتعاد عن الالفاظ الجارحة نحن هنا لنتباحث ونتكلم ونوجه.

وانتهى الأمر ..وكان لسوريا بعدها نزار. ولعلنا نتساءل لو تم عزل نزار من وظيفته وأحيل للقضاء هل كان لسوريا أن تلد نزار ؟

نص القصيدة كاملة كما قرأها الشيخ مصطفى الزرقا أمام المجلس :

خبز وحشيش وقمر
عندما يولد في الشرق القمر..
فالسطوح البيض تغفو تحت أطنان الزهر..
يترك الناس الحوانيت و يمضون زمر
لملاقاة القمر..
لمقاهينا التي ترتاح في أعلى الشجر 
يحملون الخبز.. و الحاكي.. إلى رأس الجبال
والنراجيل الى رأس الجبال
ومعدات الخدر..
ويبيعون.. و يشرون.. خيال وصور..
و يموتون إذا عاش القمر..
ما الذي يفعله قرص ضياء؟
ببلادي.. ببلاد الأنبياء..وبلاد البسطاء..
ماضغي التبغ وتجار الخدر..
ما الذي يفعله فينا القمر؟
فنضيع الكبرياء..
ونعيش لنستجدي السماء..
والذي عند السماء؟
لكسالى.. ضعفاء..
يستحيلون إلى موتى إذا عاش القمر..
ويهزون قبور الأولياء..
علها ترزقهم رزاً.. وأطفالاً.. قبور الأولياء
ويمدون السجاجيد الأنيقات الطرر..
يتسلون بأفيونٍ نسميه قدر.. و قضاء..
في بلادي.. في بلاد البسطاء..
أي ضعفً وانحلال..يتولانا إذا الضوء تدفق
فالسجاجيد.. وآلاف السلال..
وقداح الشاي .. والأطفال.. تحتل التلال
في بلادي
حيث يبكي الساذجون
ويعيشون على الضوء الذي لا يبصرون..
في بلادي.. حيث يحيا الناس من دون عيون..
حيث يبكي الساذجون..
ويصلون.. و يزنون..
ويحيون اتكال..
منذ أن كانوا ...يعيشون اتكال..
وينادون الهلال:
 يا هلال..
أيها النبع الذي يمطر ماس..
وحشيشاً.. ونعاس..
أيها الرب الرخامي المعلق
أيها الشيء الذي ليس يصدق..
دمت للشرق.. لنا
عنقود ماس
للملايين التي عطلت فيها الحواس
في ليالي الصيف لما.. يبلغ البدر تمامه..
يتعرى الشرق من كل كرامه
ونضال..
فالملايين التي تركض من غير نعال..
والتي تؤمن في أربع زوجاتٍ..
وفي يوم القيامة..
الملايين التي لا تلتقي بالخير..
إلا في الخيال..
والتي تسكن في الليل بيوتاً من سعال..
أبداً.. ما عرفت شكل الدواء..
تتردى جثثاً تحت الضياء..
في بلادي.. حيث يبكي الأغبياء..ويموتون بكاء..
كلما طالعهم وجه الهلال 
ويزيدون بكاء 
كلما حركهم عودٌ ذليلٌ.. وليالي
ذلك الموت الذي ندعوه في الشرق..ليالي.. وغناء
في بلادي..
في بلاد البسطاء..
حيث نجتر التواشيح الطويلة..
ذلك السل الذي يفتك بالشرق..
التواشيح الطويلة..
شرقنا المجتر..تاريخاً وأحلاماً كسولة..
وخرافاتٍ خوالي..
شرقنا.. الباحث عن كل بطولة..
في أبي زيد الهلالي..

بقلم المحامي علاء السيد

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة