اكتشاف سبيل ماء من زمن صلاح الدين الأيوبي في سوق الخابية

كشفت أعمال ترميم سوق الخابية بالقرب من باب النصر عن لوحة حجرية منقوشة عليها كتابات تدل على وجود سبيل ماء أثري،  وتحت لوحة النقش المكتوب هذه كشفت إزالة الدرابيات المعدنية عن بوابتين مقنطرتين لغرفتين كان فيهما سبيل ماء للقوافل التجارية الواصلة لمدينة حلب من جهة الشمال عبر طريق الحرير الموغل بالقدم.

بالعودة للمراجع التاريخية الحلبية تبين أن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الايوبي حوالي عام 1210 م -أي منذ حوالي ثمانمائة عام-  أحدث سبيل ماء موصول مع قناة ماء حيلان التي كان قد وسعها هذا الملك، وأوصل بواسطتها الماء للمدينة.

وبنى هذا السبيل بطراز البناء الأيوبي الجميل وجعل سقفه معقوداً عليه زخارف جميلة من الداخل. 
تمت تسمية هذا السبيل "قسطل الجورة" كما ذكر الغزي في كتابه نهر الذهب وسبب التسمية غير معروف.

وبعد حوالي مائة وستين عاماً قام نائب حلب المملوك سيف الدين إينال اليوسفي -هو أحد مماليك السلطان المملوكي برقوق أحد المماليك البرجية الشركسة الذي حكم مصر وبلاد الشام من القاهرة-  بتعيين هذا النائب عنه في حلب عام 1381م لمدة عام واحد فقط ، فقام هذا النائب خلال فترة ولايته القصيرة هذه بترميم هذا السبيل لأهميته، ووضع نقشاً باسمه داخل أحد غرفتي السبيل.

منذ حوالي 200 عاماً في عام 1236 هجري وتعادل 1820م قام نقيب أشراف حلب نعمان أفندي الشريف بإعادة ترميم السبيل وأوقف عليه أوقافاً تدرغلة مادية للإنفاق على صيانته والاعتناء بمائه. 

بل أنشأ إضافة إلى ذلك في ذات السوق سبيلاً آخر مخصص لشرب دواب  القوافل من جمال وغيرها،  ويتلقى ماؤه من جمع مياه المطر في صهريج منحوت تحت الأرض باق حتى تاريخه وتم تأجيره سابقاً كورشة أحذية. 

ووضع المرمم فوق سبيل الدواب  نقشاً ظهر أيضاً خلال أعمال الترميم كتب عليه :

"في سبيل الله أقوم 
عمل هذا السبيل دوا
لداء طلب عفو أرخ 
رضا رب جميل "

للأسف في فترة الخمسينيات من القرن الماضي قامت الأوقاف وهي الجهة المالكة لهذا السبيل الأثري الأيوبي -الذي يصلح ليكون معلماً أثرياً سياحياً هاماً – بتأجير الغرفتين كدكانين منفصلين ثم عادت وحولتهم لثلاث دكاكين. وتم طمس هويتهم الأثرية الأيوبية المملوكية طمساً تاماً.

عثرت على النقش الأثري المملوكي العائد لنائب حلب إينال السيوفي داخل إحدى غرفتي السبيل، وقد تحولت لدكان خياط منذ قديم الزمان ، للأسف دقت على النقش الرفوف الخشبية وحواملها المعدنية فلم تعد ظاهرة، وقد تكون تضررت بسبب دق المسامير عليها.

ولم استطع قراءة النقش كاملاً  بسبب ذلك حتى بعد الاستعانة بالصديق المصري الدكتور فرج الحسيني خبير قراءة خط النقوش ويجب غزالة الرفوف عنه. 

أما النقش الخارجي الظاهر حديثاً أعلى قنطرة المحل  فجاء فيه :

"لقد أحرز المولى النقيب مكارماً
وللمصطفى المختار صح انتسابه
توفق والله هو الموفق أرخو
فانشأ سبيلاً سلسبيلاً شرابه
١٢٣٦هجرى"

 

كما يوجد نقش داخل محل الخياط مغطى بالرفوف المعدنية وتم دق البراغي عليه، فاختفى السطر الأول منه، وكتب على السطرين الباقيين:

"حاز المكارم والتقى 
ونقيب ذا الشرف الجليل 
لولاه ما بل الظما 
ولكان أمرا مستحيل 
لما انتهى أرخته 
بيتا كلطف السلسبيل"

طبعا تم اعتماد "حساب الجمل" في الشطر الأخير من البيت الأخير لتأريخ زمن النقش.

ندعو مديرية أوقاف حلب ومديرية آثارها بما عرفناه من حرصها على الآثار القيمة،  للعناية بهذا السبيل المكتشف وإزالة الحوامل المعدنية عن نقوشه الكتابية الداخلية، وجعلها ظاهرة للعيان، مع الحرص على بقاء النشاط الاقتصادي لشاغلي المحلات وتعاونهم في إبراز جمالية هذا الأثر الأيوبي الحلبي الذي لا يقدر بثمن والذي في حال تم اكتشافه في دولة أوروبية مثلا لتم استثماره  على أوسع نطاق أثرياً وسياحياً وثقافياً.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة