تاريخ فيلا روز بحلب

في مطلع العشرينات نشطت حركة بناء العقارات في محلة العزيزية سواء بهدف السكن أو التجارة. قام عدة أثرياء ببناء أبنية سكنية تشابه القصور للسكن فيها.

قرر التاجر صبحي كبابة بن رزق الله الذي كان يعمل بتجارة استيراد المحروقات كالكاز أن يشارك أحد تجار البناء، بعدما قام شقيقه جورج كبابة ببناء البناء الطابقي الوحيد الواقع ضمن الحديقة العامة حالياً والذي يسمى بناء الدفاع المدني وباعه لأدولف رباط وربح فيه، فقرر صبحي أن يختار مع شريكه تاجر البناء قطعة أرض مميزة مطلة من جهة الغرب على الفسحة الكبيرة -التي كانت تسمى بستان الحجازي، كما كانت تسمى المشتل والتي ستتحول لاحقاً للحديقة العامة- ويبنوا عليها بناء مميزاً، كما كانت قطعة الأرض هذه مطلة على شارعين وتشكل زاوية عقارية وفيها كل مقومات البناء العقاري الناجح والمرغوب تجارياً.

كانت الفكرة أن يبنيا بناء قصد التجارة. لكن قرر الشريك صبحي كبابة أن يكون البناء لسكنه الشخصي واتفق مع شريكه أن يقدم له حصته من الأرباح رغم تغير هدف البناء من التجارة للسكن الشخصي.

تم الاستعانة بمهندس بناء أوروبي لتصميم البناء، للأسف لم نستطع التوصل لهويته، ولكن ربما يكون ذات المهندس الذي صمم كنيسة اللاتين ويدعى "أكروني" أو المهندس "شار فان بل".

تم اختيار أفضل معلم بناء في حلب وهو المعلم الشاب جوزيف نصور الذي حاز مرتبة "معلم سلطان" وهي أعلى رتب الخبرة في البناء في حلب، وكان في نهاية العشرينات من عمره حينها، وتوفي شاباً عام 1953م عن عمر ناهز 53 سنة.

تم اختيار الأحجار الحلبية ذات اللون الزهري التي كانت تسمى بالعامية أحجار بلون "ماء الجبس"، وهي الأحجار التي تجلب من مقلع في شرق حلب قرب المسلمية في منطقة تسمى الوردية، كما تجلب من مقالع أرمناز.

كان هذا الاختيار غاية في الجرأة فالأبنية الحلبية كانت تفضل الحجر الأصفر لقساوته، وتعتبر الحجر الزهري حجراً طرياً غير مرغوب فيه.

بدأت أعمال البناء وطلب صبحي كبابة من المهندس تصميم برج دائري ذا قبة حجرية، ويشكل صومعة مخصصة لإقامة أخيه الأب أثناثيوس كبابة من طائفة الروم الكاثوليك، الذي كان مسؤولاً عن كنيسة مار ميخائيل التي كانت قيد البناء أيضاً، ليتفرغ فيها للعبادة، فأضافت هذه الصومعة البرج جمالاً لتصميم البناء، وتكلفت كل حجرة من أحجار هذه القبة باعتبارها الأصعب نحتاً وبناء ليرة ذهب عثماني.

سرت بعدها الشائعات أن أحجار البناء الزهرية غير المألوفة تم إحضارها بالباخرة من إيطاليا وأن كل حجر منها تكلف ليرة ذهبية وهو مبلغ باهظ جداً في ذلك الزمن.

عانت أعمال بناء الأساسات من قرب المبنى من حوض نهر قويق مما جعل الأرضية تفيض بالمياه وكان الحل زرع أوتاد خشبية عميقة في الأرض تقاوم تأثير المياه وتثبت الأساسات.

في عام 1928م تم الانتهاء من البناء وحصل الخلاف بين صبحي كبابة وشريكه حول الأرباح المتوجبة للشريك، وانتهى الأمر بعد نزاع قضائي بأن خرج الشريك دون الأرباح التي كان يتوقعها فما كان منه بعدما وضع كل رأسماله في هذا المشروع وخسر ثروته وساءت أحواله إلا أن يدعو باستمرار على من يسكن هذا القصر ( الله لا يهنيه) واستمر ذلك حتى وفاته فقيراً معدماً. 

أقام صبحي كبابة في "فيللا روز" حتى عام 1948م فساءت أحواله المادية وانتقل للعيش في بيروت حيث ازدهرت أعماله وافتتح بنك كبابة هناك، فما كان منه إلا أن أجرها للدكتور كريكوار قسيس والد الدكتور نبيل قسيس الذي افتتح فيها مشفى "دار التوليد". الذي استمر بالعمل فيها حتى مطلع الستينات وبعد حادثة وفاة لطفل ولد فيها بظروف مأساوية قرر اغلاق المشفى وانتقل للعمل في مشفى كلبنكيان بالميدان.

في مطلع الستينات بيعت الفيلا للسيد جان رباط بن فريدريك الذي أقام فيها مع زوجته وابنه الوحيد.

سرعان ما أصيب ابنه الوحيد بمرض خبيث توفي على أثره، فحزن حزناً شديداً وسافر الى بيروت تاركاً الفيلا مهجورة . 

في الستينات جرت محاولات لهدم الفيلا وإقامة بناية مكانها، فثارت ثائرة الحلبيين وتدخل بالنهاية محافظ حلب عبد الغني السعداوي لوقف محاولات الهدم، فقام جان رباط بإسكان صهره جوزيف حمصي بن سليم ومعه شقيقتيه فيها. 

في عام 1983م اشترى الفيلا الشريكين المرحوم محمد محفوظ عبدو أغا وبيير جروة ولم يقطنا فيها وحاولا ترخيصها كمنشأة سياحية مفتوحة للعامة. قامت عدة احتجاجات على هذا المشروع السياحي باعتباره سيغير من طبيعة استعمال الفيللا.

في هذه الأثناء تم وضع إشارة بناء أثري على قيدها العقاري من وزارة الثقافة وبذلك منعت أية عملية هدم ممكنة. ولم تتيسر إجراءات الترخيص وتعسر المشروع السياحي.  

ثم مرض مالكها عبدو أغا مرضاً خطيراً، كما مرضت زوجة شريكه السيد جروة مرضاً خطيراً أيضاً، فتشائما منها.

باعا الفيلا عام 1986م لمالكها وساكنها الحالي الصديق الأستاذ عبد العزيز السخني الذي اشتهر بقيامه بترميم مدرسة المأمون على نفقته الخاصة قبل الحرب وبكلفة زادت حينها على الخمسين مليون ليرة سورية بالاستعانة بخبراء ترميم عالميين في جهد تطوعي قل نظيره.


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة