تعقيب على رسالة ميركل

تعقيب متأخر خمس سنوات على بوست "رسالة أنجيلا ميركل .. إلى علاء السيد" :
--------------------------------------------
في عام 2015 وفي ذروة الهجرة الى ألمانيا كتبت بوستا فيسبوكيا قلت فيه :

"من يعتقد أن ميركل هي الأم تيريزا الثانية ...ساذج و سيبقى ساذجاً ..
كفانا مراهقة ...حان وقت النضوج
ميركل زعيمة سياسية منتخبة و تمثل حزباً سياسياً ..
واجبها و هدفها الوحيد هو خدمة بلادها ..ألمانيا
ألمانيا فقط ...و هذا حقها ..و حق الألمان
في هذا الإطار تفتح ميركل الهجرة للسوريين ..و تقدم التسهيلات ..
لا تفتحها في أي إطار إنساني أو غيره ...فهي ليست رئيسة جمعية خيرية ..
يجب أن يدرك من يهاجر إلى هناك ذلك ..و يعمل على هذا الأساس ..
اذا لم تستفد منه أو من أولاده ...ألمانيا ..
فلا داع لوجوده .."

ثم قررت أن اكتب تحليلا لأسباب استقبال ألمانيا وزعيمتها ميركل لموجات هؤلاء المهاجرين فكتبت رسالة افتراضية بطريقة تعمدت أن تكون فكاهية عنونتها حينها:

"رسالة من ميركل " زعمت فيها أن ميركل أرسلت لي شخصيا رسالة علما انني وضحت في مقدمة البوست أنني كتبت الرسالة "على كيفي"

وحينها أدرك البعض أنها رسالة من صنعي
ولكن للاسف لم يدرك الكثير أنها افتراضية وهمية وأن الهدف منها محاولة تحليل الأسباب الحقيقية لاستقبال ألمانيا هؤلاء اللاجئين .

ظل هاجس معرفة هذه الأسباب يؤرقني الى أن بدأت أحداث السترات الصفراء في فرنسا ولاح لي أن لهذا الأمر علاقة بأسباب سماح ألمانيا بهذه الهجرة دون تيقن

إلى أن قرأت مجموعة تحاليل لباحثين أوربيين استطعت بعدها الخروج بالنتيجة التالية التي ربما تضفي المزيد من الضوء على الموضوع:

تواجه الحكومة الألمانية تاريخيا ضغطا شديدا من نقابات العمال الألمانية لزيادة أجورالعمال الألمان، كان الحل الحكومي الألماني في الثمانينيات هو فتح المجال لهجرة الأتراك إلى ألمانيا لاستقدام العمالة التركية الرخيصة للسوق الألمانية مما يشكل منافسا ضاغطا على العمال الألمان يمنع مطالباتهم،

ولكن مع تحسن الاقتصاد التركي توقفت هذه الهجرة وكادت تجف
مما أدى لعودة مطالبات نقابات العمال الألمانية برفع الأجور

أطلقت ألمانيا في عام 2015 اعلانها بأنها ستستقبل اللاجئين السوريين ووصل العدد إلى حوالي المليون لاجئ حينها

خططت ألمانيا لاصطفاء اللاجئين المفيدين ونبذ اللاجئين غير المفيدين لاقتصادها وذلك بفرض فترات زمنية طويلة ( تبدأ بمدة تسعة شهور ) لقبول اللاجئ بعد وصوله للاراضي الألمانية وتسوية أموره القانونية

وذلك بعدما يثبت أنه مفيد تحت تسمية "القابلية للاندماج"

في كل الاحوال لا يتم منح اللاجئ جنسية ألمانية

وفي كل الأحوال يمكن لألمانيا التي يزيد عدد سكانها على الثمانين مليون نسمة أن تستوعب مع بعض الصعوبة عددا يبلغ مليون لاجئ فهم لا يشكلون نسبة كبيرة أمام عدد السكان المرتفع ويمكن طرد من لا يحققون الفائدة للاقتصاد الألماني سواء على المدى القريب أو على المدى البعيد من خلال أولادهم.

لكن الاشكالية الكبرى كانت لدى بقية الدول الأوروبية :

الكبيرة منها والتي تعاني من بطالة عمالية محلية متزايدة ولا تحتاج للعمال الأجنبية الصغيرة
او الدول الأوربية الصغيرة ذات عدد السكان المحدود كالدانمرك وفنلندا وسلوفاكيا والنرويج والتي يشكل أي زيادة عددية في عدد اللاجئين تهديدا باختلال التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد غير القادرة بقلة عدد سكانها على استيعاب أعدادا كبيرة من اللاجئين والانفاق عليهم عبر منظومة الرعاية الاجتماعية والطبية ودافعي الضرائب المحليين .

في هولندا مثلا يعيش 72٪ من اللاجئين على الرعاية الاجتماعية مقابل 3٪ فقط للهولنديين الأصليين.

إضافة إلى أن تطبيق الحل الألماني لنبذ اللاجئين غير المفيدين من الأراضي الألمانية عند ثبوت عدم الجدوى الاقتصادية الألمانية منهم سيدفعهم للرحيل جهة باقي الدول الأوروبية ذات الحدود المفتوحة مع ألمانيا

مما سيضع هذه الدول في موقف محرج فهم لم يرغبوا اساسا بعمالة اللاجئين الرخيصة لارتفاع معدل البطالة لديهم عكس ألمانيا

وهم لا يرغبون بالانفاق عليهم من جيوب دافعي الضرائب من الأوربيين الاصليين.

إن ما فعلته ألمانيا تجاه جيرانها الأوربيين دمر الحلم الأوروبي بحدود مفتوحة بين جميع الدول الأوروبية مما جعل بعض هذه الدول استباقيا يضع قيودا على حدوده الأوروبية الداخلية.

كما أن هذه السياسة الحكومية الألمانية تعرضت لثغرات تدفق لاجئين من غير السوريين (من أفريقيا خاصة) بزعم أنهم سوريين وهؤلاء أقل قدرة على العمل والاندماج من السوريين وضررهم أكبر من نفعهم

كما جعلت هذه السياسة الخلايا الارهابية تجد منفذا سهلا لدخول عمق أوروبا مما شكل هما مقيما لدى الجهات الأمنية الأوروبية.

جعلت هذه السياسة بعض أحزاب اليمين الشعبوى الألماني الذى استغل تذمر قطاع عريض من الألمان من سياسة اللجوء يحقق النجاح فى انتخابات ولايات الشرق ويدخل البرلمان الألمانى فى انتخابات أيلول 2017 ويقلب موازين القوى البرلمانية الألمانية

كما دفع هذا الامر موظفو السكك الحديدية فى ألمانيا لإعلان الإضراب بعد حركة السترات الصفراء الفرنسية بهدف تحقيق مكاسب اجتماعية تتراوح بين الحفاظ على مزايا معينة، والمطالبة بزيادة الرواتب،

بالطبع ألقت جميع الأحزاب الأخرى باللوم على ميركل وبأنها السبب فى تغيير بوصلة الناخبين.

هذا الملف بالذات هو أحد أهم اسباب تدني شعبية ميركل وانخفاض عدد مقاعد حزبها في الانتخابات الأخيرة وهو من أهم أسباب اعلان أنها ستعتزل عملها السياسي عام 2021 وانها لن تترشح بعدها.

يمكن لللبيب ربط هذه الأحداث بالحراك الاجتماعي المتعلق بالأوضاع المعيشية والاقتصادية لنقابات العمال داخل فرنسا والذي حمل اسم " السترات الصفراء" بالأحداث المذكورة أعلاه.

طبعا مع وجوب عدم اغفال الدور الأمريكي في حركات الفوضى الأوروبية هذه في ظل الصراع الأمريكي الحالي مع دول الاتحاد الأوربي المتعلق باتفاقيات خطوط الغاز الوارد من روسيا لأوروبا.

والذي تضغط لمواجهتها أمريكا بشدة على الاتحاد الأوروبي لوقف هذه الاتفاقيات وإحدى آخر اسلحتها كانت إلغاء العفو الضريبي عن صادرات أوروبا من الصلب و الفولاذ للولايات المتحدة مما شكل ضربة هامة للاقتصاد الأوروبي

واتمنى ممن لديه أراء مفندة أو مؤيدة لهذا التحليل أن يغنينا بها ...

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة