لماذا افغان ستان عبر التاريخ؟ المحامي علاء السيد

لعل الفكرة التأسيسية التي دفعتني طوال ست سنوات للبحث لإصدار كتاب "طريق الحرير-  قراءة معاصرة  لدور محاور التجارة الدولية في قيام وسقوط  الإمبراطوريات والدول" 

هو سؤال غريب خطر لي: ما الذي دفع الاسكندر المقدوني منذ ما يزيد على الألفي عام لقيادة جيشه الإغريقي ( الغربي الأوروبي)  للسيطرة على أفغان ستان؟ وهي بلاد قفراء لا زرع فيها ولا ضرع!

ما هي أهمية هذه البلاد التي تصارع على أرضها عشرات الجيوش الأجنبية طوال ألفين وخمسمائة عام؟. وما زال الصراع عليها مستمراً حتى يومنا هذا!.

بكل تبسيط لأفكار بعض فصول الكتاب: 

نختصر أطراف محور التجارة الدولية العالمي منذ ألاف السنين ببوابة شرقية على حدود الصين والهند هي أفغان ستان، وبوابة غربية على حدود أوروبا الشرقية هي دول البلقان، وبوابة جنوبية هي اليمن، وأربعة مضائق بحرية أساسية فيه هي:

مضيق هرمز 
ومضيق باب المندب 
ومضيق جبل طارق 
ومضائق البوسفور والدردنيل

أضيفت إليها في أواخر القرن التاسع عشر قناة السويس. 

المتتبع للأحداث الدولية سيتابع دوماً التهاب الأوضاع المستمر عبر التاريخ في هذه البوابات والمضائق ....ودون توقف ..افغانستان ... حروب ومآسي مستمرة.

دول البلقان (البوسنة والهرسك، صربيا،كوسوفو، ألبانيا، بلغاريا، الجبل الأسود، رومانيا، سلوفينيا، كرواتيا، مقدونيا.) وشبة جزيرة القرم ..حروب ومجازر و مأسي لا تنتهي.

اليمن ...حالها معروف منذ أن حاول الرومان احتلالها عام 25 ق.م ووضعوا حاميتهم العسكرية في ميناء عدن على مضيق باب المندب ثم احتلها أبرهة الحبشي بتحريض من بيزنطة خليفة روما ثم استطاع كسرى الأول ( ملك الدولة الفارسية الساسانية) طرد الأحباش منها عام 570 م ، واستمر الصراع عليها حتى يومنا هذا.

نعود إلى أفغان ستان هذه البلاد التي تعتبر البوابة البرية للشحن التجاري الدولي من الصين باتجاه أنحاء العالم عبر الأراضي الإيرانية والروسية.

من يملك مفاتيح هذه البوابة هو من يملك التجارة الدولية ما بين الشرق والغرب.

منذ حوالي  ألفين وخمسمائة عام وفي عام 547 ق.م قام قورش الكبير مؤسس الامبراطورية الفارسية الإخمينية ببسط سيطرته على أفغان ستان.

وبعد حوالى مئتي عام انطلق الاسكندر المقدوني في عام 334 ق.م للقضاء على دولة الفرس الإخمينين وضرب عمق اقتصادهم التجاري واستطاع خلال سبع سنوات الوصول إلى أفغان ستان.

 يقال إن الفيلسوف أرسطو الذي يعتبر معلم الإسكندر الأكبر نصحه يوماً: "من السهل أن تنشئ إمبراطورية كبرى بالمعارك، لكن التجارة وحدها هي التي تبقيها متماسكة"

بعد حوالى المائة عام عاد الفرس البارثيين في عام 254 ق.م للسيطرة على أفغان ستان وطرد الإغريق منها. 

طوال مئات السنين تصارع الرومان مع دولة الفرس البارثيين والساسانين إلى أن سقطت روما وحلت بيزنطة مكانها في هذا الصراع.

يحدد ديورانت سبب الحرب ما بين الفرس والروم التي انطلقت عام 337م بـ "السيطرة على الطرق التجارية المؤدية للشرق الأقصى".

عندما نشأت الدولة العربية القرشية كان توجه جيوشها نحو الشرق متوقعاً..

وفي عام 705م زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وصلت الجيوش الأموية الى بلخ في أفغان ستان 

استمرت السيطرة على هذه البلاد في عصر الدولة العباسية تحت إمرة السامانيين التابعين للعباسيين. 

اختار العباسيون الاعتماد على الواردات المالية التجارية القادمة من الشرق الآسيوي بل إنهم نقلوا عاصمتهم من دمشق إلى بغداد ليكونوا أقرب إلى هذه الجهة واعتمدوا على الفرس والأتراك لإدارة دولتهم.

استطاع العثمانيون وهم من قبيلة قايين خان إحدى قبائل الأوغوز الأفغانية التي كانت تستوطن بلخ ( جذور آل عثمان أفغانية ) تأسيس علاقات تجارية طيبة مع القبائل الأوزبكية التي سيطرت بعدها على أفغان ستان واستطاعوا تأمين خطوط تجارية مفتوحة عبر تلك البلاد.

ما أن أسس الصفويون دولتهم حتى قام الشاه اسماعيل الأول الصفوي عام 1510م بالقضاء على الدولة الأوزبكية حليفة الاتراك العثمانيين، وبدأت المحاولات الفارسية التاريخية للسيطرة على تلك البلاد.

مع بداية القرن التاسع عشر احتدم الصراع بين بريطانيا وروسيا على الأراضي الأفغانية بعدما اعتبر البريطانيون أن بوابة الهند جوهرة التاج البريطاني تمر عبر أفغان ستان. واستمر هذا الصراع الدموي حتى يومنا هذا.

الخلاصة: أفغان ستان مفتاح رئيسي تاريخي بالنسبة للفرس والأتراك والروس وطبعاً بريطانيا والولايات المتحدة. 

ولا يمكن فهم ما يجري عليها حالياً دون التأمل بالبعد التاريخي الاقتصادي المرتبط بعلاقة مجمل هذه الدول مع الصين.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة