هل طرح السلطان محمد الفاتح عندما "فتح" القسطنطينية نفسه فاتحاً إسلامياً لها ؟ أم فاتحاً مسيحياً؟
في الجزء الثاني من نقد التاريخ العثماني بمناسبة مسلسل ممالك النار نقول:
على خلاف المتعارف عليه لدى العامة فإن السلطان العثماني محمد الفاتح أطلق على نفسه فور دخوله القسطنطينية وقبل أي لقب آخر أطلق على نفسه لقب "قيصر الروم".
وهذا اللقب هو لقب مسيحي تاريخي يُطلق على حاكم القسطنطينية بصفته حامي اتباع الطائفة الارثوذوكسية المشرقية المسيحية ويتم هذا التنصيب عادة من البطركية المشرقية الارثوذوكسية في بيزنطه ( القسطنطينية).
يبدو أن السلطان العثماني كان مُصراً على جعل الإمبراطورية العثمانية وريثة الإمبراطورية الرومانية الشرقية المسيحية.
وحتى ذلك العهد لم يلق سلاطين بني عثمان بالاً لاكتساب لقب "خلفاء المسلمين" لكن السلطان العثماني فوجئ برفض البطركية الارثوذكسية الاعتراف به، وتم نقل البطركية البيزنطية إلى روسيا منذ ذلك الحين. ( توضيح : المقصود بنقل البطركية هو طرح البطركية الروسية نفسها حامية للارثوذوكس في العالم وتضاؤل بل انعدام دور البطركية المسكونية في بيزنطة بالنسبة للمسيحيين ).
وقد حاول العثمانيون التصالح مع هذه البطركية مراراً وتكراراً دون فائدة، وسمحوا للمسيحيين الارثوذوكس في دول اوروبا الشرقية التي دخلها العثمانيون بممارسة شعائرهم الدينية ولم يكلفوا نفسهم حتى ببذل الجهود لدعوتهم للديانة الاسلامية.
ولهذا السبب لم يسلم معظم مواطنوا أوروبا الشرقية رغم طول فترة الحكم العثماني لبلادهم.
قد يبدو اتخاذ السلطان العثماني لهذا اللقب "قيصر الروم" أمراً عادياً للبعض ولكنه من منطلق الشريعة الاسلامية أمر مرفوض تماماً.
تصور مثلاً أن يقوم أمير المؤمنين عمر بن الحطاب بفتح القسطنطينية ويطرح نفسه رئيساً حامياً للامبراطورية الأرثوذكسية معيناً من بطركية بيزنطة ؟!!!!!
للاسف لم يلق كاتبو التاريخ العرب بالاً لهذا الأمر الهام الذي يشير إلى براغماتية السلاطين العثمانيين واتخاذهم المعتقدات الدينية وسيلة لبسط حكمهم وضمان استمراريته بغض النظر عن قناعتهم من عدمها بهذه المعتقدات.
وللحديث أجزاء
--------------
-اقتباس من كتابي القادم : "طريق الحرير. قراءة معاصرة لدور محاور التجارة الدولية في قيام وسقوط الإمبراطوريات والدول"
قيد النشر.
جميع الحقوق محفوظة لـدار الوثائق الرقمية التاريخية © 2025 https://www.dig-doc.org/ |