منهل الوراد في عام الانتقاد - الأجزاء الثلاثة - قسطاكي حمصي

30-08-2020    10237 مشاهدة

كتب الاستاذ محمد الأسعد عن هذا الكتاب الهام الذي صدرت طبعة الجزء الأول منه عام 1907فقال:

يقول الكاتب والرحالة قسطاكي بيك الحمصي (1858-1941) في مقدمة كتابه "منهل الورّاد في علم الانتقاد" المطبوع في العام 1907: 

"لا أحد يجهل من العلماء والكتّاب والمتفنّنين الذين لهم في الصناعات الجميلة فصل الخطاب ما للانتقاد من جزيل الفوائد إذا جاء من أهله، وما ينجم عنه في المفاسد إذا جعله الغبي غرض جهله، وما برحت تحوم حوله خواطر الفلاسفة والعلماء في كل عصر، إلى أن أصبح في أواخر القرن الأخير شغلاً شاغلاً لكل عالم وكبير وفيلسوف نحرير، وأيقن جميعهم أنه قسطاس العلوم والفنون وعروضها الذي يظهر به المختلّ من الموزون، وأضحى علماء النقد في مقدمة الفلاسفة وأهل العلم، وألقيت إليهم مقاليد الرئاسة بين ذوي النظر والفهم".

وسيتضح بعد سطور قليلة أن حديثه عما يسميه "علم الانتقاد" في أواخر القرن التاسع عشر منصرف إلى وقائعه وشواهده في الجغرافية الأوروبية، والفرنسية على وجه الخصوص. ولم يصل إلى هذا التقييم إلا بعد أن تتبّع سير هذا الفن الجليل، كما يقول حرفياً، وهو منكبٌ على "مطالعة كتب أئمته من الفرنسيس أصحاب الباع الطويل حتى صار ذلك هوى النفس"، وخلال ذلك راح يقلّب القديم والحديث من كتب العرب لعله يظفر بشيء "مترجم عن اليونان أو بكنز فكر في بعض الزوايا احتجب".

بالطبع لم يجد في كتب العرب ما يمكن أن يسميه "علم النقد" أو الانتقاد"، فالنقد حسب قوله :

"لم يكن من العلوم المعروفة عند العرب في عصر من العصور. ومع أن الانتقاد من الغرائز التي عرفوا بها في كل زمن، فلم يحدّدوا له رسماً ولا عرفوا له اسماً ولا اشتقوا من اسمه فناً غير ما هو معلوم عندهم من نقد الدراهم، أي تمييز جيّدها من زيفها". إلا أنه يستدرك أن هذا لم يمنعهم من محاولة الاشتغال بهذا الفن، و"معارضاتهم واستدراكاتهم وتعقيباتهم واعتراضاتهم وجدالاتهم ومشاحناتهم شاهدة بما طبعوا عليه من الانتقاد.. إلا أنه لم يكن عندهم علماً مقيداً بقواعد وشروط، ولا فناً ذا أصول وفروع".

ربما لهذا السبب صرف على تدوين كتابه هذا وهو يهديه إلى "طلاب العلم وتلامذة المدارس.. قسماً من العمر، وحصة وافرة من الزمن في التفتيش والتنقيب، وساعات بل أياماً، بل أشهراً وأعواماً، في كدّ الفكرة، وإجهاد القريحة، قصد شحذ أذهانهم وتوسيع مداركهم" وبذلك يهدي لهم كما يقول" أعزّ ما يهديه مخلوق إلى مخلوق".

النقد عندنا، كما تبيّن له، لم يتعد ما كتبه علماء البديع وعدد من العلماء القدماء، الآمدي وأبي هلال العسكري والقاضي عبد العزيز، أصحاب الموازنة وكتاب الصناعتين والوساطة وغيرهم. 

"ظل كسائر العلوم والفنون العربية في هجعة هي بالموت أشبه منه بالرقاد إلى النصف الأخير من القرن الماضي (أي التاسع عشر)، إذ قيّض الله لهذه اللغة الشريفة بعض رجال الفضل والاجتهاد" 
ويذكر من هؤلاء ناصيف اليازجي وبطرس البستاني ورفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق. ومع إقراره بأنهم على تفاوت رتبهم في العلوم هم الذين "رفعوا مصابيح العلم، وحملوا لواء المعارف منذ النصف الأخير من القرن التاسع عشر" إلا أنه يرى أنهم "لم يكتبوا في هذا الفن شيئاً، أو أن بعضهم كتب، فنحا نحو العلماء السالفين، فلم يكن إلا مقلداً مَن تقدَّمه غير مبتكر ولا مبتدع".

وستقف هذه النتيجة التي وصل إليها منذ الفصل الأول في عرضه لتاريخ النقد عند العرب، وفي ذهنه بالطبع العصر الأوروبي المبسوط والعامر والممتد حضارياً، وتوفر أسباب العلوم فيه وترقيها والتفنن فيها، وراء مشروع كتابه، أي وضع قواعد ما سماه "علم الانتقاد" في ضوء قراءاته في الآداب الأوروبية، فيأتي على "تاريخ النقد عند سائر الأمم" في الفصل الثاني، ويبدأه بالعصر اليوناني المؤسس على يد كتاب "فن الشعر" لأرسطو، ثم بمدرسة الإسكندرية في العصر الروماني، ويصل في الفصل الثالث إلى النقد "في العصور المتوسطة" التي شهدت انحطاط هذا الفن، لأسباب اجتماعية وسياسية "لم يكن فيها للكاتب رأي يرتئيه أو خاطر يبديه غير ما يراه أصحابه وعترته وأولياؤه.. لم يكن ثمة سبيل للنقد لفقدانهم حرية النطق والكتابة وهما من أعظم أركانه".

ويرى أن افتقار هذه القرون الوسيطة للنقد لم يكن لنقص العلماء والفلاسفة، بل لأن "العلوم كانت مقيدة محدودة والأفكار محصورة بمنطق الاستبداد". وظل الحال هكذا "إلى أن جاء زمن الانبعاث العلمي في إيطاليا، فحرّر العقول من الاسترقاق لبعض العلوم، وأطلق الإنسان من ظلم العبودية".
في الفصل الرابع، يصل المؤلف إلى النقد في العصور الحديثة، ويعرض لتحرّر كتّابه وفلاسفته حتى من تقاليد عصر الانبعاث المعروف باسم "عصر النهضة"، التي رأت في نقد أصل اللغات كمال النقد وغايته. ويضع "تاريخ النقد الفرنساوي" في الصدارة، حيث لم يظهر عند الفرنسيين أثر من آثار النشاط في علوم الأدب، إلا وكان النقد رائده وقائده. ويرجع سبب وصول "أكابر كتابهم، رونسار وماليري وبوالو وفولتير وشاتوبريان وهوغو، إلى المنزلة التي وصلوا إليها.. ولم ترج مؤلفاتهم ذلك الرواج، إلا لعزوفهم عن التقليد القديم وإطلاقهم العنان لقرائحهم وذوقهم في مذاهب الكتابة".

مع الفصل الخامس، ينتقل قسطاكي إلى موضوعة "في أن علم الأدب هو لسان حال المجتمع الإنساني"، وفيه يتحدث عن النقد بوصفه مساعداً لفن التاريخ، لأن الأعمال الأدبية كما يرى "تنطق بأفصح بيان عن زمن تأليفها، ومن هنا يجب نقدها بنسبة موضوعها". 

ثم يقدّم أسماء مثل سانت بوف ورينان وتاين الذين تحوّل معهم النقد إلى آلة حقيقية للتحليل والتفتيش واكتشاف أسرار النفوس، وهم وإن لم يحولوه إلى علم ذي قواعد، فقد وسعوه وأوضحوا حدوده.

وأخيراً يأتي إلى "قواعد الانتقاد" فيخصّص جزءاً ثانياً لكتابه لشرح هذه القواعد، ويسهب في وصفها، وهي كما يرى تقوم على ثلاث ركائز، الشرح والتبويب والحكم. ويعني بالشرح إيضاح وتحديد العلاقات، سواء كانت بين الكتاب المنقود وتاريخ العلوم الأدبية، أو علاقة النص بما كان من نوعه، أو العلاقة بين الكاتب وكتابه. 

ويتناول التبويب رتب الشعر وطبقاته، وعمادها حسب اصطلاحه "الموازنة" أي المقارنة بين شعراء تناولوا موضوعاً معيناً، أو بين الأوصاف بين كاتبين، أو موازنة بين أصحاب المراثي أو الغزل والنسيب. أما الحكم، وهو الدرجة الثالثة فشرطه أن يكون الناقد مزوداً بكل ما يؤهله لهذه الدرجة ليكون حكمه سديداً، حسب خمس قواعد هي؛ نقد القول والمصنوع، ونقد القائل والصانع، رجلاً كان أو امرأة، فقيراً أو غنياً، ونقد المقول فيه والمحكي عنه، ونقد الزمان والمكان.

ولا يفوتنا في ختام هذا العرض ذكر أن قسطاكي الحمصي، بعد ما يقارب ثلاثين سنة، أي في العام 1937، نشر جزءاً ثالثاً لكتابه هذا، تضمن مقالات في تعريف الأدب عند العرب، والنقد الأدبي، وفن الروايات، والتجديد والتقليد ومقالات تحت عنوان "مرآة النفوس"، بالإضافة إلى موازنة أجراها بين الكوميديا الإلهية لدانتي (وقد أطلق عليها اسم "الألعوبة الإلهية" ورسالة الغفران للمعري، وكلها مما يدخل تحت باب النقد الأدبي.

للحصول على مجلد يضم الأجزاء الثلاثة بصيغة pdf  من الطبعات الأولى من الكتاب الهام "منهل الوراد في علم الانتقاد" لمؤلفه الحلبي قسطاكي حمصي

ملاحظة :
الرجاء ذكر اسم الكتاب حين مراسلتنا عن طريق الفيس بوك.
الملف المرفق
شارك الموضوع مع اصدقائك !!
لمتابعة أحدث منشورات دار الوثائق الرقمية التاريخية على شبكات التواصل الاجتماعي :

مواضيع اخرى ضمن  كتب

اشتدت المعركة ما بين الكنيسة الكاثوليكية و أتباع الماسونية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي فقام بابا روما لاون الثالث عشر في عام 1886م بتوجيه رسالة عامة الى جميع بطاركة العالم الكاثوليكي
24-11-2022    20368 مشاهدة
يضم هذا الكتاب النادر مجموعة من النكات والنوادر الساخرة كتبها في جزئين الصحفي السوري اللامع حبيب كحالة الدمشقي
14-06-2022    21427 مشاهدة
هو كتاب ضم مجموعة من المقالات الصحفية بمواضيع متنوعة كتبها الصحفي الحلبي فيكتور كالوس  وهو صحفي عمل أوّلاً مع شكري  كنيدر في جريدة التقدم الحلبية الشهيرة. 
14-06-2022    19361 مشاهدة
ولد الشيخ الدكتور محمد معروف بن محمد رسول الدواليبي في حي البياضة في مدينة حلب، في 29/3/1909، في أسرة متواضعة،تلقى معروف الدواليبي التعليم الابتدائي في حلب
01-12-2021    14288 مشاهدة
يقول مؤلف الكتاب فؤاد فضول وهو احد كبار الماسون العرب في كتابه "الماسونية خلاصة الحضارة الكنعانية"، في معرض دفاعه عن الماسونية،  نقلا عن جان ابي نعوم وهو ايضا من كبار الماسون
01-12-2021    23070 مشاهدة
هو كتيب صغير في 17 صفحة عني الشيخ راغب الطباخ الحلبي باصداره في مطبعته العلمية بحلب عام 1344 هجرية وفيه إشارة إلى فضل العرب عن غيرهم من الاقوام .
لطلب الملف الرقمي من كتيب "القرب في فضل العرب"
22-09-2021    13718 مشاهدة

أكثر الكتب مشاهدة

مكتبة الفيديو

أكثر الصور مشاهدة

أكثر المقالات قراءة

20-04-2020 36884 مشاهدة
ما لم ينشر عن "الطقس الاسكتلندي الماسوني "(The Scottish Rite)

لا تزال الأسئلة والتكهنات كثيرة حول نشوء تنظيم "الماسونية" السري والذي يعرف باسم "عشيرة البناؤون الأحرار"، ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية  المزيد

15-09-2020 26558 مشاهدة
جرجي زيدان والماسونية

لم يثر رجل الجدل كما أثاره جرجي زيدان، فمنهم من اعتبره باحثاً وأديباً وصحفياً موسوعيا ومجدداً في إسلوب الطرح التاريخي، ومنهم من اعتبره مخرباً مزوراً للتاريخ عامة وللتاريخ الإسلامي خاصة  المزيد

24-04-2020 25382 مشاهدة
اسكندر فرح من كبار رجال الماسونية في سوريا نهاية القرن التاسع عشر

قلة يعرفون أن اسكندر فرح و هو من مواليد دمشق سنة 1851م حاز أعلى الدرجات الماسونية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ سوريا و حقيقة الأمر أنه عندما تعين مدحت باشا  المزيد

08-03-2020 23910 مشاهدة
تاريخ فيلا روز بحلب

في مطلع العشرينات نشطت حركة بناء العقارات في محلة العزيزية سواء بهدف السكن أو التجارة. قام عدة أثرياء ببناء أبنية سكنية تشابه القصور للسكن فيها.  المزيد

24-12-2019 23590 مشاهدة
الاحتلال البريطاني لسوريا 1918

عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، انسحبت القوات التركية وحلفاءها الألمان من سوريا، و قد كان تعدادهم قد وصل إلى عشرة آلاف جندي ألماني، وخمسة عشر ألف جندي تركي، وحوالي اثنا عشر ألف جندي عربي موالين للعثمانيين  المزيد

09-05-2020 23139 مشاهدة
تاريخ بناء منزل آل انطاكي في محلة العزيزية بحلب

يعتبر بيت الخواجة فتحي انطاكي من أهم واقدم البيوت في محلة العزيزية، وتعود قصة بناء هذا البيت للقرن التاسع عشر عندما أدرك ثلاثة من تجار حلب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أن فرصة الربح كبيرة في حال المتاجرة بالاراضي المعدة  المزيد