قصة حي الخالدية بحلب

31-03-2020 6391 مشاهدة

في عام 1948 كانت الهضبة التي ستشكل حي الخالدية لاحقاً بعيدة عن أحياء مدينة حلب التي كانت تصل لحديقة السبيل فقط، اختار هذه الهضبة الجرداء المدرس الشيخ محمد طه عنجريني القادم من قرية عنجارة لشراء أرض عليها وبناء مدرسة نموذجية لنقل مدرسته الصغيرة التي كانت في حلب القديمة في منطقة العدسات إليها.

اشترى متر الأرض المربع ب 80 قرشاً، وكان الخواجة موريس عبجي يملك أغلب الأراضي في تلك الجهات، والتي أقيم عليها لاحقا حي الشهباء القديمة وحي العمران ( الموكامبو) وحي الخالدية.
افتتح الشيخ طه مدرسته وجعلها مدرسة داخلية لأبناء الريف وأسماها المدرسة "الخالدية" وهو الاسم الذي سيكون ملازماً لاحقاً لهذه الهضبة من الأرض.

أغلقت هذه المدرسة عام 1960 وتحول بناءها لسكن أسرة صاحبها الشيخ طه العنجريني الذي توفي عام 1980 وتم تعيين ابنه المرحوم الحاج فاتح عنجريني الذي اشتهر بالطيبة وحسن الخلق مختاراً للحي، وحفيده الاستاذ المهندس الصديق أبو فاتح عنجريني حالياً عضواً في مجلس المدينة.

بدأ الخواجة موريس ببيع قطع من الأراضي على هذه الهضبة المرتفعة عليلة الهواء لإنشاء فيلات سكنية عليها ولتكون منطقة "ضاحية فيلات".

ظهرت أول الفيلات عام 1955 وتتالى بناء العائلات الكريمة لفيلاتهم مثل عائلات آل زبيدة وحمو وفجلة وصباهي والدادا وطحان وابوسعدى ونحاس وحجو وغيرهم.

بدأ سكان الأرياف القريبة بالتوافد والبناء على هذه الهضبة أيضاً، ولكن بشكل مساكن بسيطة ( حواش عربي) ومنهم العائلات الكريمة آل عنجريني وعتك وكردية والعمر وشيخو ورقية ودلو وحماش و الأشقر وحماده وصديق والدقس وشحادة وسعد وشلار وغيرهم كثير، قادمين من الريف القريب من حلب كالليرمون والتوامة وكله وعنجارة وحزانو وحيان وغيرها.

تبرع الخواجة موريس عبه جي بقطعة أرض لبناء جامع عليها وتم تشكيل لجنة من أهالي الحي والأحياء المجاورة لجمع التبرعات وتعين رئيساً على اللجنة الحاج محمد دوغاني وبدأ بناء جامع عمار بن ياسر وكان الجامع الأكبر والأهم في المنطقة وكان خادم الجامع السيد ابو محمد قزيز.
افتتح أل "كلو" فرناً للخبز في المنطقة وافتتح الصيدلي عدنان سويد صيدلية فيها، وافتتح آل الأفندي محلا للحلويات العربية والمامونية والشعيبيات، وتحولت أحياءها العالية إلى ما يشابه قرية صغيرة قريبة من حلب.

في عام 1967 اعتبرت بلدية حلب هذه الضاحية احد أحياء حلب وتمت تسميتها رسمياً في السجلات باسم حي الخالدية وبدأ باص النقل الداخلي بالوصول إليها انطلاقاً من سوق الخضار منشية باب جنين.

وبدأ سكان الحي ببيع الخضار في بسطات بسيطة أمام بيوتهم لسكان الأحياء المجاورة ثم بدأوا باقتطاع غرف من بيوتهم وتحويلها لدكاكين خضار.

في نهاية السبعينات قام السيد ابو عبدو تومان بافتتاح محل فروج قصر النيل وجلب جهازاً حديثاً في ذلك الزمن يقوم بشي الفروج النيئ وتدويره آليا وكانت هذه الطريقة غير معروفة في المنطقة.

بدأ بعض سكان الحي الكرام بالتجول في الأحياء القريبة لبيع خضرواتهم وكان منهم من يبيع متجولاً على البسكليت أو على الحمار أو يبيع الخضار على الطرطيرة ويوصلها للمنازل في خدمة مبكرة للتوصيل المنزلي. وكانت بعض سيدات الأحياء المجاورة يلجأن لسيدات الخالدية للف اليبرق لديهن وهي "الأكلة" المفضلة عند الحلبيين والأصعب تحضيراً.

في عام 1987م افتتح السيد ابراهيم حلواني محل الحلواني لبيع المونة الغذائية المحضرة منزلياً ( دبس بندورة ودبس فليفلة و ملوخية يابسة ....الخ ) لتسويق انتاج سيدات البيوت في الخالدية وتميزت بضاعته بالجودة الفائقة.

وقامت احدى سيدات الحي التي كانت توزع الخضار على الطرطيرة ( ألية بسيطة بثلاث عجلات) وتدعى ام محمود بابتكار فكرة تجهيز الخضار وتقطيعها وتوصيلها لتكون جاهزة للطبخ لقاء تقاضي مبلغ بسيط. وانتشر هذا الاسلوب في بيع الخضار انتشاراً واسعاً واشتهر به الحي.
بني في الحي مجمعا استهلاكيا حكوميا فيه مؤسسة استهلاكية ضخمة وفرن حكومي وبدأت ملامح الحي التجارية بالظهور.

في التسعينات وخلال طفرة تجارة البناء بدأ السكان ببيع "حواشهم العربية" ليقوم تجار البناء بهدمها وتعمير صالات تجارية ومحلات ومطاعم ومقاهي بدلا ًعنها وبلغ سعر المتر المربع الواحد أسعاراً خيالية في ذلك الوقت تزيد على المائة ألف ليرة سورية.

تحول الحي الوادع إلى أحد أهم الأحياء التجارية بحلب وافتتحت به عدة محلات تجارية ثم مولات، كان من أول محلاته التجارية الكبيرة لبيع المواد الغذائية محل "المختار" لأصحابه أحفاد المرحوم الشيخ طه العنجريني صاحب مدرسة الخالدية، وتسابق أصحاب أشهر العلامات التجارية لصناعة وتجارة الحلويات والأطعمة والخضار والمواد الغذائية لافتتاح محلاتهم فيه.

تعرض الحي للأسف خلال الحرب للقذائف وتضررت أبنيته واستشهد عدد كبير من سكانه وتوقفت الأعمال التجارية فيه.

------------------------------------------------------

كل الشكر للباحث الصديق الأستاذ فراس رحمو الذي وضع نواة توثيق تاريخ الأحياء بحلب.

شارك الموضوع مع اصدقائك !!
لمتابعة أحدث منشورات دار الوثائق الرقمية التاريخية على شبكات التواصل الاجتماعي :

مواضيع اخرى ضمن  مدونة المحامي علاء السيد

02-10-2022 3985 مشاهدة
حقيقة قصة السلطان عبد الحميد مع اليهودي قراصوه التي لا أساس لها

عندما بدأت الحملة الممنهجة لتبييض صورة السلطان عبد الحميد عمدت بعض الكتابات العربية للترويج لقصة اليهود الدونمة ومحاولتهم شراء أجزاء من فلسطين ورفض السلطان عبد الحميد لذلك بطريقة بطولية مما دعا هؤلاء لخلعه  المزيد

02-10-2022 3283 مشاهدة
السلطان عبد الحميد والرقابة على الصحف وتقييد الحريات

جاء في الفصل الأول المعنون : الشخصية الحميدية  من كتاب "أوهام الذات المقدسة السلطان عبد الحميد لمؤلفه المحامي علاء السيد وذلك تحت تحت عنوان : رقابة المطبوعات الحيوية  المزيد

13-08-2022 4188 مشاهدة
مصادر ومراجع كتاب "أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" لمؤلفه المحامي علاء السيد

اعتمد كتاب"أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" على حوالى 78 مصدرا ومرجعا و على ما نشر في حوالى 17 جريدة ومجلة من أخبار ومقالات متعلقة بما ورد في الكتاب  المزيد

13-08-2022 3680 مشاهدة
الفهرس الكامل لكتاب "أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" لمؤلفه المحامي علاء السيد

الفهرس  6 , مقدمة  9 , تمهيد  11 , الفصل الأول: الشخصية الحميدية  29 , طفولة سلطان  31 , شروط مدحت  33  المزيد

13-08-2022 3194 مشاهدة
السلطان عبد الحميد وحقيقة رفضه بيع فلسطين لهرتزل زعيم الصهاينة وعرضه حلب بديلا عنها

أفرد كتاب "الذات المقدسة ، السلطان عبد الحميد الثاني" فصلاً كاملاً بعنوان : "السلطان عبد الحميد وقضية فلسطين" في 56 صفحة فيها 116 اشارة توثيقية مرجعية  المزيد

13-08-2022 3923 مشاهدة
أراء المؤرخين بشخصية السلطان عبد الحميد الثاني .المحامي علاء السيد

لإيفاء دراسة شخصية عبد الحميد حقها، يجب أن نعي تماماً أن هذه الشخصية تطورت وتعقدت خلال ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم،  المزيد

13-08-2022 2258 مشاهدة
تعاون السلطان عبد الحميد مع اليهود لاستيطان مدينة القدس. المحامي علاء السيد

إن الاستيطان اليهودي في فلسطين زمن الدولة العثمانية حتى نهاية عهد السلطان عبد الحميد وقبل عهد " الاتحاد والترقي" بُني على طريقتين  المزيد

02-08-2022 2858 مشاهدة
مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي

مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي. والرد على المقال .  المزيد

أكثر الكتب مشاهدة

مكتبة الفيديو